فظهر أن المريد ولد المرشد وفرعه : أي في الظهور ؛ لأنه لو لا ظهور المرشد قبل ظهور المريد ، كما أنه لو لا ظهور الحق بذاته لذاته في ذاته ؛ لما ظهر الخلق أبدا ، فكان ظهور الحق ؛ هو المبدأ في جميع الظهورات ؛ ولذا وصف نفسه بالأولية والظاهرية ، ولمّا كان ظهور الإنسان بالمعنى أولى من ظهوره بالصورة ؛ لأن المعنى حق ، والصورة خلق ؛ كان الأستاذ أحق بالتعظيم من الأب ، والمرشد أولى بالتقديم من الوالد.
ومن العجائب أنه كما أن للمرشد والوالد فضلا على المريد والابن من حيث التربية والوالدية ؛ فكذا للمريد والابن فضلا على المرشد والأب ؛ لأن كلّا منهما في حكم المعين لهما ؛ فالمرشد مثلا كالأنثى الحاملة ، والمريد المستعد كالقابلة ، فإن ما يلد منه إنما يلد بمباشرة المريد ، ولو لا المريد لما ولد مولود من المرشد ، ففيهما سرّ قول من قال من بعض الأكابر : فلولاه ولولانا ؛ لما كان الذي كان.
فظهر أن مرتبة الألوهية من الإضافات ؛ فإنها نسبة بين الإله والمألوه ، والنسبة لا ترتفع مادامت المرتبة باقية ، ومنه يعلم سرّ قوله تعالى : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) [محمد : ١٩] ؛ يعني : إن علمك إنما يتعلّق بمرتبة الألوهية.
وأمّا ما فوقها من مرتبة الغنى عن العالمين ؛ وهي مرتبة الذات البحث ؛ فلا يدخلها علم ؛ لأنه لا اسم ، ولا وصف ، ولا رسم هنالك ؛ ولذا يقال : إن الله هو المحيط بكنهه.
ومما قررنا يعرف سر طلب مقام الوسيلة لنبينا صلىاللهعليهوسلم ؛ فإن ذلك من باب الغيرة الإلهية ؛ فهو كنصب السلطان من قبل الرعية مع أن السلطان ؛ هو الحاكم الآمر الناهي ، فليس الكمال المطلق إلا لله تعالى ؛ ولذا كان أعلم مطلقا.
وأمّا النبي صلىاللهعليهوسلم فقد قال : «أنتم أعلم بأمور دنياكم» (١).
وقال تعالى : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) [الإسراء : ٨٥].
وإن كان علم الكائنات بجنب علمه صلىاللهعليهوسلم قطرة من سبعة أبحر ، ولم يزل الإنسان
__________________
(١) ذكره السيوطي في شرح سنن ابن ماجه (١ / ٢) ، وابن حزم في الاحكام (٥ / ١٢٨).