بعض الواردات
وارد المرشد والمريد (١)
اعلم أن المرشد الكامل كالملك الذي ينفخ الروح في الجنين ؛ فإنه ينفخ روح الفيض في الجنين الذي يشتمله رحم استعداد المريد ، والمراد بالنفخ ، صورة اشتعال حطب الجسد بنار الروح ، ولمّا كان ظهور تلك النار في المحلّ من تربية النافخ ؛ جعل المرشد كالنافخ ، وليس إلا المظهر ، ففيه سرّ الخلافة ؛ ولذا قال تعالى : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [المؤمنون : ١] ، وإنما كان الله أحسنهم ؛ لأنهم إنما يخلقون على صورة ما خلق الله ؛ فهم الفرع في ذلك ، والله هو الأصل والمبدأ.
__________________
(١) أعلم رجال الطريق هم الذين وصلوا إلى مقام القرب ، والتمكين وله خمسة أركان ، وعشرون صفة :
أمّا الأركان فهي : عبدية الحضرة ، واستعداد قبول الحقائق الحضرة بلا واسطة ، ووجود الرحمة الخاصة من المقام العندية ، وشرف تعلم العلوم من الحضرة ، وكون التعلم منها بلا واسطة قال الله تعالى : (فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) [الكهف : ٦٥] ، فاندرج فيه جميع ما ذكر من الأركان كما هو الظاهر ، وأمّا الصفات : فهو أن يكون عالما بالشريعة على قدر الحاجة ، وأن يكون على اعتقاد أهل السنة والجماعة ، وعاقلا بالعقل الديني والمعاشي ، وسخيّا وشجاعا ، وعفيفا من جهة النفس ، وعالي الهمّة مشفقا على المريد ، وحليما وعفوا ، وحسن الخلق ، وصاحب الإيثار ، وكريما ومتوكلا ، ومسلّما وراضيا بالقضاء ، وذات وقار وساكنا في الحركات ، وثابت القدم في الإرادات ، وذات هيبة ، فالموصوف بهذه الأوصاف متخلق بأخلاق الله يوصل المريد إلى الحق تعالى بإذنه تعالى في مدة قصيرة بشرط أن يكون المريد أيضا موصوفا ؛ لأنه ينبغي أن يكون موصوفا بعشرين وصفا كالشيخ ، وهي التوجه والزهد والتجريد واعتقاد أهل الحق والتقوى والصبر والمجاهدة والشجاعة والبذل والفتوت والصدق والعلم والطلب والحيلة مع الأعداء.
والملامتية هي أن يكون المدح والذم ، والرد والقبول عنده سواء والعقل والأدب وحسن الخلق والتسليم والتفويض ، فإذا وجد المريد كذا ، وأخذ عن رجل كذا في مدة يسيرة يحصل ذا ، وإلا فمتعسر أو متعذر كما عرفت ، فإذا لم يأخذ الطريق من الرجال فالانتقال محال ، وإذا لم يحصل الانتقال لم يتحقق بحقائق الحروف والأسماء ، ومن لم يتحقق بها يكون مصروفا عن كشف غوامض الأشياء.