اهتدى ؛ ولذا وصّى الكمّل بمبايعة الكمّل ، وبذل المال والوجود لهم ؛ حتى يكون لهم قدر عند الله تعالى مثلهم ، وأين هذه المعرفة الكاملة من عقول العوام وقلوبهم؟ فإنما يهتدي إلى الخواص من يهتدي بالله ، لا بالنفس ، فإن كان دين صحيح ؛ فلا بد لك من الكتاب مطلقا ، فإن الدين لا ينفك عنه قطعا.
٧١ ـ في الحديث : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم فتح مكّة : «لا هجرة ولكن جهاد ونيّة» (١).
أشار صلىاللهعليهوسلم إلى فتح مكة الوجود بحصول المشاهدة للقلب ، فليس بعد ذلك هجرة : أي تعب ومحنة ، وإن كان فبالإضافة.
ألا ترى أن أهل الله مبتلون بأنواع البلاء بعد الوصول إلى مقام ، وكشف حجاب الحسّ ، والخيال بتجليّات نور الأفعال والصفات ، فإن ذلك من باب التتمّة ، والتكميل ، والتهيؤ إلى تجلّي نور الذات بإزالة حجاب الوهم ، فللسالك هجر مرة بعد مرة لكن بعض ذلك من قبيل الفرائض ، وبعضها من قبيل النوافل ، وأكثر غير الملائم في الدنيا متوجه إلى الأماثل والأفاضل ؛ ليتسع القلب لظهور التجليّات المتنوعة.
فمن عرف هذا السرّ ؛ لم يبك من البلاء ، فإنه إنما ابتلي به ؛ لأجل الترقّي والإعراض عن الأسباب ، الترقّي تنزّل جدا ، والسفر من بواعث الإقبال إدبارا قطعا ، ثم إن الله تعالى يبتلي عبده بما شاء ، كيف شاء ، متى شاء. ولا ينبغي للعبد أن يسأل ذلك ، فربما لا يتحمله ؛ بل الواجب عليه عند جريان القضاء طلب الصبر والسكون والرضا ؛ حتى يهوّن عليه ذلك ، ولا يشقى به كما شقى الكفار ، ومن يليهم من المحجوبين.
نعوذ بالله من الجهل والغرور والمكابرة ، ونسأله العفو والعافية والمصابرة.
__________________
(١) رواه البخاري (٢ / ٦٥١) ، وأبو داود (٣ / ٣) ، والنسائي (٤ / ٤٢٦).