والثالث : إن الشام والقدس أرض المحشر ، فالأمر بالهجرة إليها رحمة من الله تعالى لخلقه ؛ حتى يكونوا يوم القيامة محشورين من محلّ الشفاعة ؛ لأنها محفوفة بالأرواح الطيبة من الأنبياء ، وكمّل الأولياء.
فمن الأول : الجد النبوي ؛ وهو الخليل ، وابنه إسحاق ، وابنه يعقوب ، وموسى ، وزكريا ، ويحيى ، ويوسف وغيرهم عليهمالسلام.
ومن الثانية : حضرة الشيخ محيي الدين العربي ـ قدسسره ـ فإنه كان يسمّى عليهالسلام من اسم أبيه زكريا ، وفي الدنيا ذبح كبش الموت في الآخرة ، ولذا بحضرة الشيخ وبعلومه وحقائقه حييت القلوب ، وبإرشاده وتربيته ماتت النفوس ، وكانت آثاره باقية إلى قيام الساعة ، وبها حيى اسمه كما قال هو نفسه في الفتوحات : ولكل عصر واحد يسمو به ، وأنا الباقي العصر ذاك الواحد.
ولا شك أن الإقامة في بلدة كانت الكمّل فيها بأجسامهم وأرواحهم أقوى من الإقامة في بلدة كانوا فيها بأرواحهم فقط ، ومن هذا رغب في زيارتهم أينما كانوا ؛ كأنها لزيارة الأحياء.
ألا ترى إلى قوله تعالى : (بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) [آل عمران : ١٦٩].
فإنه إذا كانت الشهداء الصورية أحياء عند ربهم ؛ كانت الشهداء الحقيقية أولى بذلك ؛ لأنهم فانون في الله ، باقون بالله ، والله هو الحيّ القيّوم ؛ فكذا نفوسهم في أبدانهم ، فكانت محفوظة عن التفسّخ والانحلال ، والله يقول الحق على لسان الحقي بلا وهم ولا خيال.
٦٩ ـ قوله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله في قبلة أحدكم» (١).
اعلم أن جميع الإنسيات قبلة عند العارفين على ما أفاده قوله تعالى : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) [البقرة : ١١٥] ؛ لكن الأدب ؛ هو التوجه إلى أين الكعبة كما أفاده قوله تعالى : (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [البقرة : ١٤٩].
__________________
(١) حديث ذكره بعض صوفية التحقيق في كتبهم.