وفي الحديث أيضا : «صفوة الله من بلاده يجيء إليها صفوته من خلقه» (١) ، وفيه من التحريض على الإقامة في الشام.
ما في الحديث الأول : فإنه إذا كان المجتبي إليها والمجموع صفوة الخلق ؛ فليرغب العاقل في الهجرة إليها ، والإقامة فيها ؛ ليكون من صفوة الخالق ، ومختار الناس ، فإن قلت : إن الشام لا تخلط من أجلاف العرب والترك ونحوهم.
فكيف يكونون من صفوة الخلق؟ قلت : قد ورد في بعض الأحاديث : «إن لله ملكا ينقل الأموات ، فمن استأهل بالشام ؛ فهو فيها حيّا وميّتا ، ومن لم يستأهل لها ؛ فهو في الشام حيّا ، وفي غيرها ميّتا ، فإن الله يضم كل مجانس إلى مجانسه ؛ كما يضم من عمل عمل قوم لوط إليهم» (٢).
كما ورد في الحديث الصحيح.
وقوله صلىاللهعليهوسلم : «ادفنوا أمواتكم وسط قوم صالحين» (٣) ، فإن ذلك إنما هو بالمستأهل في الجملة.
فإن الأرض المقدّسة لا تقدّس أحدا بلا عمل ، واعتقاد الصالح لا يشفع في الطالح إلا إذا كانظظو فمن أذن له في الشفاعة ، وهو المؤمن الغير المتعمّد المعظّم للشريعة في الجملة ، فإن قلت : لم حرّض على الإقامة بالشام مع فضل الحرمين الشريفين عليها.
قلت : الأمور الأول : إنها نهاية مقام الصفات ، وفيها يطيب عيش الناس.
فإن المدينة أول مقام من مقاماتها ، وفيها عيش الناس ؛ لقربها من مقام الذات الذي هو حرم الله تعالى.
والثاني : إن من الفتنة الكبرى في آخر الزمان ؛ فتنة بني الأصفر ؛ وهم لا يدخلون الشام ، وحلب ، فهما مأمنان للخلق في ذلك الزمان ؛ لكن الشام أفضل من حلب ؛ لقرب حلب من أرض الروم بالنسبة إلى الشام.
__________________
(١) رواه البيهقي في الكبرى (٩ / ١٧٩) ، والطبراني في الكبير (٢٢ / ٥٥) بنحوه.
(٢) لم أقف عليه.
(٣) رواه أبو نعيم في الحلية (٦ / ٣٥٤) ، والديلمي في الفردوس (١ / ١٠٢).