الفرق الأول ، فهو موكول إلى النفس والخلق ؛ لما ذكرنا للنبي صلىاللهعليهوسلم من كمال رحمته على أمته ، دعا بما ذكر من الدعاء ، فهو إما تشريع لهم بأن يدعوا الله تعالى.
هكذا حذرا عن الغفلة والحجاب ، وإما أن التقدير : اللهم لا تكل أمتي إلى نفوسهم ، فإن النبي نفسه معصوم مع بقاء الإمكان الذاتي ؛ لأن العصمة امتناع بالغير ، وهو لا ينافي في ذلك والله العاصم الحافظ.
٦٦ ـ في أحاديث الجامع الصغير : «عليك بالهجرة فإنه لا مثل لها» (١) :
إن قلت : قد ثبت في الجامع الصغير أن الصوم لا مثل له أيضا ، فكيف التوفيق؟
قلت : فيه جوابان :
الأول : إن ما لا مثل له من الأعمال كثير ، فمنه : الصوم ، ومنه : الهجرة.
والثاني : إن الصوم من باب الهجرة في المعنى ، فإن الهجرة ترك الوطن والمألوف ، فالهجرة من دار إلى دار من باب ترك الوطن والمألوف جميعا ، والصوم من باب ترك المألوف فقط ؛ لأن عادة الطبع الأكل والشرب بحيث لا يكاد يصير عنهما ، فإذا صام ؛ فكأنه ذبح الطبع ، وأحي القلب ، وأتى بعمل لا مثل له ، وكذا الهجرة من دار إلى دار ، فإن فيها مهاجرة المألوف ، وقطع السكون إليه.
ولا شك أن الاستئناس والائتلاف بالمخلوق ؛ بل بما سوى الله تعالى انقطع عن الله ، كما أن قطع العلامة عنه اتصال بالله ، وقد أمر صلىاللهعليهوسلم بذلك ، كما قال تعالى : (قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ) [الأنعام : ٩١] ، فإنه إذا وجب مقاطعة صحبة الإنسان ؛ وهو صورة الحق في الحقيقة ؛ فما بالك بغيره من الأشياء ، وقال تعالى (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) [المزمل : ٨].
٦٧ ـ وفي أحاديث الجامع الصغير : «لا تذهب الدنيا حتى تصير إلى لكع ابن لكع» (٢).
__________________
(١) رواه النسائي (٥ / ٢١٣) ، والديلمي في الفردوس (٣ / ٣٢).
(٢) رواه أحمد (٢ / ٣٥٨) ، والطبراني في الكبير (٢٢ / ١٩٥).