أعراض الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ مصونة عن مثل ذلك التلوث ، وليس بذاك على أن الله تعالى إن كان قد قدر خلق يأجوج ومأجوج من نطفة آدم.
لم يلزم أن يكون ذلك عن شهوة خيالية ، بل على وجه غير ذلك ، فكان من حكمته الخفية أن خلق حواء من ضلعه ، ويأجوج ومأجوج من نطفته من غير علوق في الرحم ، إشارة إلى خساستهم في نفوسهم ، وسائر الذرية بعلوق الرحم ، إشارة إلى شرفهم في نفوسهم ؛ لكونه طريق التناسل ، حتى إن أفضل الأنبياء جاء على هذا الطريق.
ثم إن قوله : (يراها الرجل) : إشارة إلى الرؤيا الأنفسية.
وقوله : (أو ترى له) على المجهول : إشارة إلى الرؤيا الأفارقية ، والرجل عالم لكل رجل معهود في الذهن : أي رجل كان ، والتخصيص مبني على الغالب ، أو على أن المرأة تابعة له في الأحكام ، وذلك أنه إذا صفا الوقت كالأسحار ، أو ارتفع الموانع ، واعتدل المزاج ، فإن المرآة الإنسانية مطلقا تقبل الصور المثالية.
٦٥ ـ في الحديث : «اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا أقل من ذلك (١)» :
اعلم أن الإنسان إما أن يكون مع الحق فقط ، بأن يكون غائبا عن الخلق رأسا ، وهو حال الجمع والفناء التام ، والمحفوظ منهم من يعود إلى الحس وقت أداء الفرائض ، فلا يجري عليه لسان ذنب بخلاف غيره ، وإما أن يكون مع الخلق فقط ، بأن يكون غائبا عن الحق وشهوده ، وهو حال أهل الفرق الأول ، والمحفوظ منهم من تداركه الله تعالى في حال الصلاة بالشهود في الجملة ، ولو خياليّا.
وإمّا أن يكون مع الحق والخلق جميعا ، وهو حال أهل جمع الجمع والبقاء ، والفرق الثاني ، والمشروح الصدر ، فمن كان حضوره دائما مع الله تعالى سواء كان من أهل الفناء ، أو من أهل البقاء ، فهو مصون عن النفس والشيطان ، وعن كل ما سوى الله ؛ لأن الحضور والغيبة لا يجتمعان ، ومن كان غائبا عن الله تعالى ، كأهل
__________________
(١) رواه أحمد (٥ / ٤٢) ، والبيهقي في الشعب (١ / ٤٧٦).