واعلم أن وجود الإنسان الكامل ؛ هو حرم الله تعالى ، ويمينه بمنزلة الحجر الأسود ، فكما أن من استلم الحجر الأسود ؛ فقد بايع الله ورسوله في مرتبة الشريعة ؛ فكذا من استلم يمين الإنسان الكامل ؛ فقد بايع الله ورسوله في مرتبة الحقيقة ، ولمّا كان السلطان الأعظم ظلّ الله : أي صورة الحقيقة الإلهية الجامعة للحقائق كلها ؛ كان استلام يده ، والمبايعة له بمنزلة استلام يمين الإنسان الكامل ، والمبايعة له ، ومنه يظهر إن المراد الاستلام بحقائق الإيمان ، والإسلام ، والتوحيد لا بمجرّد التقليد.
فربّ كافر يستلم الحجر الأسود ، ولا ينفعه ذلك في الباطن ، وإن نفعه في الظاهر ، وكذا ربّ منكر يستلم اليمين مطلقا سواء كانت يمين باطن الحقيقة الإلهية ؛ وهو يمين الإنسان الكامل ، أو يمين ظاهر تلك الحقيقة ؛ وهي يمين السلطان الأعظم ، وقد يكون السلطان خليفة الله تعالى ؛ فيكون له يمينان ؛ يمين ظاهر السلطنة ، ويمين بطانها ، فيكون استلام يمينه بمنزلة استلام اليمنين ؛ كالخلفاء الأربعة ، ومن تبعهم في طريقتهم ، وسيرتهم.
وأمّا إذا كان ظاهرا في صورة الظلّ ؛ فلا بد له أيضا من مبايعة من هو في مرتبة الخلافة الكاملة ، ومتابعته ؛ كمتابعة الظلّ للمظلول ، وإلا لم يكن متصورا ؛ بل مخذولا هذا ، فإنه مطابق لنفس الأمر ، ومن لباب المعرفة الحاصلة في أواخر العمر.
٦٤ ـ في الحديث الصحيح : «الرؤيا الصالحة يراها الرجل ، أو ترى له (١)» :
الرؤيا الصالحة هي الصادقة التي توافق الوقع ، وهي ما لم تكن من غلبة الخيال ، ولا من مداخلة وسوسة الشيطان ، فإنها إذا تكون كاذبة خيالية أو شيطانية ، ومنها الاحتلام وقد تكون للسالك حين سلوكه ، وقد تكون من ضعف المزاج والقوى ، ولذا قد تقع من الكمّل ، ولا تقدح في مرتبهم.
ومنها : ما روي : «إن آدم أبا البشر احتلم ، فخلق الله من نطفته يأجوج ومأجوج (٢)» ، إن صحّ فإن بعض العلماء ذهب إلى عدم صحته بناء على أن ساحة
__________________
(١) رواه مسلم (١ / ٣٤٨) ، وأبو داود (١ / ٢٣٢).
(٢) لم أقف عليه.