وأمّا الثالث فلأن السلطان سرّ الله الرحمن ؛ القيامة بوحدته مقام وحدة الحق ، ووجوب وجوده ، وشمول ظلّه على جميع الرعايا ؛ كشمول رحمة الله على جملة البرايا ، فهو ظاهر على صورة اسم الله الأعظم ، فمن أهانه بترك المبايعة له ، والخروج عن حكمه ، وسلطانه ؛ أهانه الله بإقامته في دائرة المبتدعة الشاردة عن حكم الجماعة ، ومن أكرمه بالدخول تحت لوائه ؛ أكرمه الله بالنصرة على الأعداء الظاهرة والباطنة.
فإن قلت : فكيف الإكرام إذا كان خارجا عن حكم الله في أكثر أحواله؟
قلت : قد ثبت أن الطاعة اليسيرة من السلطان بمنزلة الطاعة الكثيرة من غيره ؛ فهو مظهر اسم الذات ، ولذا كان قائد الخلق.
كما أن الاسم الأعظم يقود جميع الإلهية ، وكذا من هو رجال السلطنة تحت يده ، فإنهم أيضا مظاهر الأسماء الذاتية الكلية ؛ لكليتهم بالنسبة إلى سائر الأسماء الجزئية ومظاهرها ، ولهم ملائكة متعيّنة في السماوات تلهمهم الحق ليعملوا به.
ومنه قولهم : أرباب الدول ملهمون ، فربما يوجد عندهم من العلم ما لم يكن هو عند العلماء ؛ بل منهم أمي لا يعلمون الكتاب ؛ لكن ما باشر به من الأفعال ؛ يكون موافقا له بتوفيق الله تعالى ، هذا إذا كان صحيح النية في سلطانه ، وإلا فيعسر الوقوف عند الحق ، والوصول إليه ؛ لغلبة حجاب الكون.
ألا ترى أن السمع إذا كان مسدودا ، أو كان القائل وراء حجاب غليظ ؛ فإن السامع محروم عن السماع ، فكذا إذا كان القلب محجوبا بحجب العوائق ، والتعلّقات الكونية ، والخواطر الفاسدة ؛ فإنه عين العمى ، والأعمى لا يبصر شيئا ، وكذا أعمى القلب لا يدرك شيئا مع أجود الإلهام ، والإلقاء ، والتجلّي على حاله ، إذ ليس عند الله بخل وإمساك ؛ بل جود وفيض.
فالمانع من طرف العبد ؛ فهو محجوب لا من طرف الحق تعالى ؛ إذ هو محتجب بصفاته ، وأفعاله ، وأسمائه ، وذلك بحجاب له في الحقيقة ؛ لأنه كقناع العروس ؛ فهو حجاب للغير لإلهام ، ولا غير هنا بالنسبة إلى أحدية التحلّي ، فإن الغيرية الحاصلة في مرتبة الواحدية إنما هي باعتبار التعينّات ، وصور الحقائق ، واختلاف التجليّات ، وذلك لا يضرّ بالعينية في المرتبة الأولى.