إهانة ، واستحقار للمتكلّم ، واستحقار العظيم عظيم ؛ ولذا كان جزاؤه الإهانة من الله تعالى على حدّ قوله تعالى : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) [البقرة : ١٥].
ومن إهانة القرآن ؛ إهانة ما يدلّ عليه من الآثار ، ويخبر عنه من أحوال الأخيار والأشرار.
وأمّا الثاني ؛ فلأن القائم بالقرآن بظاهره وباطنه ؛ هو خليفة الله ووارث رسوله صلىاللهعليهوسلم ، وكان خلق رسول الله ؛ هو القرآن ؛ بل كان هو بنفسه عين القرآن ؛ هو الكلام التنزيلي ، والإنسان الكامل ؛ هو الكلام التكويني.
فكما أن الكلام التنزيلي مشتمل على الحروف ، والكلمات ، والآيات ، والسور ؛ فكذا الكلام التكويني مشتمل على ذلك ، فحروفه الشئون الذاتية ، وكلماته الأعيان العلمية ، وآياته الحقائق المجرّدة الأرواحية ، وسوره الآثار المثالية الجسمانية ، فهذه هي حروف كتاب الوجود الظلّي ، وكلماته ، وآياته ، وسوره.
وأمّا كتاب الوجود الحقيقي ؛ فحروفه الأسماء الذاتية الأحدية ، وكلماته الأسماء الصفاتية الواحدية ، وآياته الأسماء الأفعالية ، وسوره الآثارية.
فظهر أن الإنسان الكامل ؛ هو القرآن من حيث إنه كتاب جامع لحقائق الأشياء كلها ، وله كلام يصدر عنه ؛ فهو كلام الله أيضا ؛ لأنه مظهر الحق ، ومظهر أسرار القرآن ، فمن أهانه بعدم الإصغاء إلى كلامه ، وحجته ، وبرهانه ؛ أهانه الله بتركه في الحجاب المانع عن سماع الخطاب الإلهي ، ومن أكرمه بأن يقبل كلامه لعلمه بأنه كلام الله حقيقة ؛ أكرمه الله بكرامات المكمالة ، والمناجاة ، والتحقق بحقائق الكلام ، وفيه إنذار عظيم للغافلين المحجوبين ، وتبشير جسيم للمتيقّظين المكاشفين.
وإليه الإشارة بقوله صلىاللهعليهوسلم : «اللهم أرنا الحق حقا ، وأرزقنا اتّباعه ، وأرنا الباطل باطلا ، وأرزقنا اجتنابه» (١) ، فمن الحق أولياء الله ، ومن والاهم ، ومن الباطل أعداء الله ، ومن والاهم.
فإن الأولين يلزم موالاتهم ؛ لحقيّتهم ، والآخرين يجب معاداتهم ؛ لبطلانهم.
__________________
(١) ذكره ابن كثير في تفسيره (١ / ٢٥٢).