تبديل الهواء ، والبقاع مختلفة من حيث العفونة ، والكثافة ، والاعتدال ، واللطافة ، فإذا صادف الهواء المعتدل ؛ اعتدل مزاجه ، وسرى حكم الصحة إلى جميع أجزائه.
فقد حكي : إن بعض الملوك خرج من بغداد إلى بعض النواحي فمرض هناك ؛ فلم يصح حتى جيء إليه بماء بغداد ، وهوائها في زقّ منفوخ ؛ فظهر الاختلاف بين ماء وماء ، وهواء وهواء ، ومكان ومكان.
وأمّا الغنيمة : فقد قيل : إن في الحركات البركات ، فقد يكون المرء بحيث يربح في تجارته في الغربة ما لا يربح فيها في الوطن ، لمّا أن الله تعالى بثّ النفع والضرّ ، والخير والشر في أقطار الأرض ، والمرء لا يدري أي قطر هو خير له؟ وقد يكون بعض البلاد بحيث يغلب عليها حكم بعض الكواكب ؛ كالثريّا في الشام ، وسهيل في اليمن ، وقس عليها ما هو نحس منها ؛ كالمريخ ، والزحل ، ووقت السعد والنحس من الاقتران ؛ فيصادفه في السفر ، فهذه غنيمة متعلّقة بالمال ، والأولى صحة متعلّقة بالبدن وقدمها ؛ لأن الصحة أصل في انتفاع البدن بالمال إذ لا ينتفع المريض بماله ؛ ولو كان قنطارا.
ولذا ورد : «العلم علمان : علم الأبدان ، ثم علم الأديان» (٢) ، إن الدين وقوامه تابع لصحة البدن واعتداله ، فكان المال والانتفاع به.
وأمّا الصحة في السفر المعنوي : فإن المسافر الخارج إلى الله تعالى من اسم له إلى اسم مريض من جهة أوصاف نفسه المضرّة ، وأخلاق قلبه الذميمة ، فباطنه سقيم مجروح ، وله قروح لا تحصى ، محتاج إلى طبيب وجرّاح ، وهذا السفر يعين على صحته المعنوية ؛ لأن باليقين يزول الشك ، وبالتمكين يذهب التلوين ، وبالشهود يغيب
__________________
(١) السفر عند الصوفية : عبارة عن القلب عند أخذه في التوجه ، بتصحيح معاملات وتعديل أحوال ، تسفر عن النفس المرتقية في مناهج كمالاتها سفساف الأخلاق ويحليها بمعرفة مكامن القواطع ، وموارد القطعيات من المراتب الكونية ، والحضرات الحقية إلى الحق تعالى بالذكر.
والذكر هنا : إحضار القلب مذكورة ، ومواجهته إياه ، واستمراره على ذلك إلى حد تنطمس فيه موارد الذهول والنسيان.
(٢) رواه أبو نعيم في الحلية (٩ / ١٤٢) ، وذكره العجلوني في الخفا (٢ / ٢٨٠).