دائما ، فإنك حين ما كنت غائبا ؛ متّ عن عالم الحسّ الحيواني ، والتحقت بأهل البرزخ ، واجتهد أن يتّصل نفسك الجزئي بنفس حافظ من الحفاظ الكلي ، فإنه إذا مات جسدك ، حيت روحك بالحياة الطيبة ، الحمد الله بكماله.
٦١ ـ في الحديث : «نصرت بالصبا ، وأهلكت عاد بالدّبور» (١) :
أشار صلىاللهعليهوسلم إلى أن الأصل في النصرة ؛ هو المتبوع ؛ ولذا لم يقل : نصرت أمتي مع موافقته لمقابله ، كما أنه الأصل في الأمر أيضا.
وقوله تعالى : (اتَّقِ اللهَ) [الأحزاب : ١] من قبيل تأديب الصغير بالكبير ، فإن الأمر بالاتّقاء في معنى النهي عن المخالفات وكذا غيره ، ويجوز أن يكون نحو قوله تعالى : (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ) [الأحزاب : ١] من قبيل التثبيت : أي أثبت على عدم الإطاعة لهم ، ثم إن الرياح واحدة في الأصل ، وإنما اختلفت من حيث مهابتها ، فجعلت بعضها من قبيل الرياح النافعة ، وبعضها من الضارة كالمياه ، فإنها في الأصل على طبع واحد أيضا ، وإنما اختلفت من مجاريها ، وكذا جوهر العالم واحد ، فمنهم جواهر نفيسة ، ومنها أحجار خسيسة.
وقد قال تعالى : (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ) [الرعد : ٤] : أي ومع تجاروها تختلف أحكامها.
ألا ترى إلى اللبن حيث يخرج من بين فرث ودم ، ولا يتروّح من الفرث ، ولا يتلوّن من الدم ؛ كذا الابن بين الخبيثين ، وكل ذلك راجع إلى أحكام الكون المضافة إلى الأسماء الجلالية ، لا إلى حكم التجلّي الأحدي الساري ، فإنه على قدسه وطهارته أزلا وأبدا.
ألا ترى إلى نور الشمس كيف يقع على القاذورات ، وهو غير متدّنس بها ؛ لعدم حلوله فيها.
ثم إن النصرة بالصبا : إشارة إلى كمال هذه الأمة ، ومحافظتهم التجلّي الإلهي ، فإن الصبا تهب من المشرق حين يستوي الليل والنهار ، والاستواء اعتدال ، تصبوا إليه
__________________
(١) رواه البخاري (٣ / ١١٧٠) ، ومسلم (٢ / ٦١٧).