ومن ثم قال تعالى : (ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) [التين : ٥ ، ٦].
يعني : إن المؤمنين إيمانا رسميّا أو عيانيا ، والعالمين بما يقتضيه من الشعب ، فهم بعد نزولهم صاعدون ، وبعد ردّهم مقبولون ؛ لأن ذلك من أسباب ترقياتهم في المقامات العالية ، والدرجات السّنية.
فقد عرف من هذا التقرير : إن الشراد من شأن النفوس لا من شأن الأرواح ، نفخ إلهي من شأنه قبول الأوامر ، والعمل بالطاعات ، نسأل الله تعالى ذلك القبول.
٦٠ ـ في الحديث القدسي : «قدرت المقادير» (١) :
: أي الواقعة في العلم ، فإن المقادير معدومات ، وهي شيء في العلم ، وليس بشيء في العين الخارجي ؛ لعدم ظهورها بعد ، وتقديرها إيجابه تعالى على ذاته إظهارها في الأوقات المعيّنة لذلك ، فهي ليست من قبيل ما استأثره الله في علمه.
قال صلىاللهعليهوسلم : «ودبرت التدابير» : أي الواقعة في عالم العين ، وتدبيرها النظر إلى دبر الأمور ، وليس إلا الله تعالى ، فإنه الخبير بالعواقب.
قال صلىاللهعليهوسلم : «وأحكمت الصنع» : أي من سماء ، وأرض ، وما تحتويانه من الجواهر والأعراض ، فإن ذلك كله صنع : أي إجادة فعل كما قال : (صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) [النمل : ٨٨].
فإحكام الصنع إتقانه ، فلا يدخل فيه الأيدي بالفسخ ، ولا العقول بالنسخ.
قال صلىاللهعليهوسلم : «فمن رضي» : أي بما وقع من التقدير والتدبير والاحكام.
قال صلىاللهعليهوسلم : «فله الرضا مني» : أي جوزي بما يناسب رضاءه.
قال صلىاللهعليهوسلم : «حتى يلقاني» : أي فإذا لقيني على وجه الرضا ؛ فله الرضاء الدائم الذي لا يعقبه سخط أصلا.
قال صلىاللهعليهوسلم : «ومن سخط» : أي بما ذكر.
قال صلىاللهعليهوسلم : «فله السخط مني» : أي جوزي بما يناسب سخطه.
__________________
(١) رواه الترمذي (٤ / ٤٥٨) ، وأحمد (٢ / ١٦٩) ، وابن حبان في صحيحه (١٤ / ٥٠٨).