__________________
ـ وفي الحديث عنه صلىاللهعليهوسلم : «من زار قبري وجبت له شفاعتي» ، وفي رواية : «من زارني بالمدينة محتسبا كنت له شفيعا وشهيدا يوم القيامة».
ومعنى وجوب الشفاعة للزائر ثبوت شفاعة خاصة منه صلىاللهعليهوسلم لذلك الزائر لا دخوله في العموم ، وهذا يستلزم البشرى بالموت على الإيمان ، ولا يخفى ما في الإضافة من تمام التشريف ، فإن الشفاعة تعظم بشرف الشافع.
وفي رواية للبيهقي : «من مات في أحد الحرمين بعث مع الآمنين يوم القيامة ، ومن زارني محتسبا إلى المدينة كان في جواري يوم القيامة» ، ويجب على الزائر تمام الأدب عند قبره الشريف صلىاللهعليهوسلم فإنه حيّ يشاهده.
قال العلّامة السبكي : حياة الأنبياء والشهداء في القبر كحياتهم في الدنيا ، يشهد لذلك صلاتهم في قبورهم ، فإن الصلاة تستدعي جسدا حيّا ، وكذلك الصفات المذكورة للأنبياء ليلة الإسراء كلها صفات الأجسام ، ولا يلزم من كونها حياة حقيقية أن تكون الأبدان معها كما كانت في الدنيا من الاحتياج للطعام والشراب ، وأما الإدراكات كالعلم والسمع فلا شك أن ذلك ثابت لهم ولسائر الموتى انتهى.
وظاهر عبارة المحقق المذكور تقتضي مساواة الشهداء للأنبياء في حياتهم في البرزخ ، والذي ذكره في الجواهر أن حياة الأنبياء في البرزخ أقوى وأكمل من الشهداء ، ونصّه لا شك أن حياة الأنبياء في البرزخ أكمل من حياة الشهداء مع اعتقادنا ثبوت نحو السمع والبصر لكل ميت ، وعود الحياة له ، كما ثبت نعيم القبر في السّنة وعذابه ، وإدراكهما مشروط بالحياة لكن يكفي حياة جزء يقع به الإدراك ولا يتوقف على الحياة البينة ، نعم الظاهر من الأدلة أن حياة الشهداء أقوى من حياة الأولياء ، وإذا علمت ذلك فيجب عليك حينئذ أن تكون في غاية الأدب عند زيارته صلىاللهعليهوسلم ، خافضا لصوتك ، وجلا حزينا على ذنوبك.
وفي الشفاء بسند جيد عن ابن حميد قال : ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين الإمام مالكا رضي الله عنه في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال مالك : يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في هذا المسجد ؛ فإن الله تعالى أدّب قوما فقال : (لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ)[الحجرات : ٢] ، ومدح قوما فقال : (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ)[الحجرات : ٣] ، وذمّ قوما فقال : (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ)[الحجرات : ٤] ، وإن حرمته ميتا كحرمته حيّا ، فاستكان لها أبو جعفر وقال : يا أبا عبد الله أأستقبل القبلة وأدعو أم استقبل وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ فقال : ولم تصرف وجهك عنه وهو