على أهل العمل الصالح ، والسالك المتقّي الكامل في سيره ؛ ولكن كان في باب الحقيقة أكمل ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) [البقرة : ١٥٣] ؛ هي في صفات الكمال النوعي.
فميزان الوجود لا يخلو عن الترجّح بوجه من الوجوه ما خلا وجود نبينا صلىاللهعليهوسلم ، فإنه منبع الكمالات ، ومصدر التجليّات ، وفي وجوده الظاهر ، وقواه الباطنة ، وحالاته المستورة من الاعتدال التام ، والتسوية الكاملة ما لم لأحد غيره من العالمين ، ولا يكون أبدا ؛ فإنه مركز العالم ، ومداره ظاهرا وباطنا ، وحكم وجوبه وإمكانه على الاعتدال في الغاية ، كما ينبئ عنه شرح صدره ، فإنه كان مع الحق ومع الخلق جميعا في حالة واحدة لم يترجّح حاله بأحدهما على حاله بالاخر ، فهو الجامع ، وهو الأول الاخر ، وهو الظاهر الباطن ، وهو الحق الخلق ، وهو الفاتح الخاتم ، وهو المبدأ ، وإليه المصير.
قال الله تعالى في آل عمران : (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) [آل عمران : ١٥٤].
٥٤ ـ في الصحيح : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها» (١) :
أشار بالقبور إلى أبدان من مات بالاختيار قبل الموت بالاضطرار.
ما ورد أيضا : «إذا تحيّرتم في الأمور ، فاستعينوا من أهل القبور» (٢).
فإن أغلب الأقوال فيه : هو ان أهل القبور أهل الفناء المعنوي شبّهت أبدانهم بالقبور ، وأرواحهم بأهل القبور ، والجامع الفناء.
__________________
(١) رواه مسلم (٢ / ٦٧٢) ، وأبو داود (٣ / ٢١٨) بنحوه.
(٢) ذكره العجلوني في كشف الخفا (١ / ٨٨).