والموت المعنوي : أقوى من الموت الصوري ، ولذا لا ينتقض الوضوء حال الفناء والانسلاخ بخلافه حال الموت الصوري ؛ ولذا يتوضأ للموت ، ويغتسل ، وبخلافه حال المنام ، فإنه أخرج الموت في انقطاع وضوء الروح عن ظاهر البدن ، وهذا بالنسبة إلى عامة الورثة.
وأمّا النبي صلىاللهعليهوسلم فقد قال : «ينام عيناي ولا ينام قلبي» (١) ؛ ولذا كان يصلّي الفجر بعد الاضطجاع ، والنوم بلا تجديد الوضوء فرقا بين مقامه ، ومقام غيره ، وأمّا غسله بعد انتقاله ، فمن قبيل التشريع ، وإلا فمنامه وموته من واد واحد ، فإن كلا من روحه المطهّر ، وبدنه المنظّف من عالم الأمر في الحقيقة لا من عالم الخلق ؛ لكمال امتزاج أحدهما بالآخر.
على أن بعض أهل الإشارة قال : إن ترابه كان من تراب الجنة ، فأين غيره من منزلته في القلب والقالب؟!
وإليه الإشارة بقوله : «حبب إليّ من دنياكم ثلاث» (٢) حيث أضاف الدنيا إلى المخاطبين كأنه ليس هو من الدنيا بدنا وروحا ؛ بل من الآخرة ، فإنه لمّا خلقه الله من نوره ؛ ألبسه الهيئة المحمّدية ؛ فتلك الهيئة اللطيفة النورانية تعيّنت بتعيّن أخر لطيف روحاني ؛ فصارت صورة محمّدية.
ومن كمال نورانيته ، وروحانيته ، ونهاية لطافته وحسنه قال : «أنا أملح» (٣) ؛ فصار هو الحسن كله تصوّر بصورة أحمدية ؛ وهو الحميد ، كما أنه الجليل ؛ وهو المليح ، كما أنه الحسن ، إذ ليس كل حسن مليحا ، فإن الملاحة أمر وراء الحسن يحصل من اجتماع الأسباب ، والأسماء ، ولا ينتبه له كل ناظر ، ولبيب.
ثم الوجه في التصفّي أولا ، والأذن ثانيا ، وهو أن المحجوب وأهل البداية لا سيما العوام لا يعرفون كيفية الاستعانة ، ولا يهتدون إلى وجه الاستمداد ، وإذا دخلوا على أهل القبور سواء كانوا أحياء في الدنيا ، أو منتقلين إلى الآخرة فربما غلب عليهم
__________________
(١) تقدم تخريجه.
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) لم أقف عليه.