__________________
ـ (يا أخي .. قد سافرت إلى أقصى البلاد ، وعاشرت أصناف العباد ، فما رأت عيني ولا سمعت أذني أشر ولا أقبح ولا أبعد عن جناب الحق تعالى من طائفة تدّعي أنها من كمّل الصوفية ، وتنسب نفسها إلى الكمّل وتظهر بصورتهم ، ومع هذا لا تؤمن بالله ورسله ولا باليوم الآخر ، ولا تتقيّد بالتكاليف الشرعية ، وتقرر أحوال الرسل وما جاءوا به بوجه لا يرتضيه من في قلبه مثقال ذرة من الإيمان ، فكيف من وصل إلى مراتب الكشف والعيان ، ورأينا منهم جماعة كثيرة من أكابرهم في بلاد أذربيجان وشروان وجيلان وخراسان ، لعن الله جميعهم.
فالله الله يا أخي .. لا تسكن في قرية فيها واحد من هذه الطائفة ؛ لقوله تعالى :
(وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) [الأنفال : ٢٥] ، وإن لم يتيسر لك فاجتهد ألا تراهم ولا تجاورهم ، فكيف أن تعاشرهم وتخالطهم ، وإن لم تفعل فما نصحت نفسك ، والله الهادي).
وقال الجنيد رضي الله عنه لرجل ذكر المعرفة وقال : (أهل المعرفة بالله يصلون إلى ترك الحركات من باب البر والتقرّب إلى الله تعالى) : إن هذا قول قوم تكلموا بإسقاط الأعمال ، وهو عندي عظيم ، والذي يسرق ويزني أحسن حالا من الذي يقول هذا ، وإن العارفين بالله أخذوا الأعمال عن الله وإليه رجعوا فيها ، ولو بقيت ألف عام لم أنقص من أعمال البر ذرة إلا أن يحال بي دونها.
وقال رضي الله عنه : الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى أثر رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وقال رضي الله عنه : من لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث لا يقتدى به في هذا الأمر ؛ لأن علمنا هذا مقيّد بالكتاب والسّنة.
وقال رضي الله عنه : ما أخذنا التصوف عن القيل والقال ، لكن عن الجوع وترك الدنيا وقطع المألوفات والمستحسنات.
وقال رضي الله عنه : رأيت في المنام أني أتكلم على الناس ، فوقف عليّ ملك فقال : ما أقرب ما تقرّب به المتقربون إلى الله تعالى؟ فقلت : بعمل خفيّ بميزان ، وفي قولي وهو يقول : كلام موفق والله ، وقيل له : من أين استفدت هذا العلم؟ فقال : من جلوسي بين يدي الله تعالى ثلاثين سنة تحت تلك الدرجة ، وأومأ إلى درجة في داره.
ورئي في يده سبحة فقيل له : أنت مع شرفك تأخذ في يدك سبحة ، فقال : طريق وصلت به إلى الله تعالى لا أفارقه ، وكان يدخل كل يوم حانوته ويسبل الستر ، ويصلّي أربعمائة ركعة ثم يعود إلى بيته ، كذا في الرسالة القشيرية.
فانظر يا أخي بعين الإنصاف إلى حال هؤلاء الزنادقة ، وما هم عليه من سوء الاعتقاد مع ادّعائهم المعرفة بالله تعالى التي هي أعز منالا من بيض الأنوق ومن مناط العبوق ، وحال السلف الصالح تجد