__________________
ـ قال أبو يزيد البسطامي قدّس الله سرّه : لو نظرتم إلى رجل أعطي من الكرامات حتى تربّع في الهواء ، فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود وأداء الشريعة ، ولما قصد زيارة ذلك الرجل المشهور بالزهد ودخل المسجد ، رمى ببصاقه تجاه القبلة ، فانصرف ولم يسلّم عليه وقال : هذا غير مأمون على أدب من آداب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فكيف يكون مأمونا على ما يدّعيه ، فاتّباع القدم المحمدي نعمة وأي نعمة ، والزيغ عنه نقمة لا يماثلها نقمة ، فإن شؤم هلاك الدين لا يعادله شؤم ، نعوذ من ذلك بالله الحي القيوم.
وإذا نظرت بعين التحقيق في هؤلاء الزنادقة المنابذين لأهل الطريق لم تر عندهم غير شقشقة اللسان الخالية عن الدليل والبرهان ، وإذا بحثت مع أحدهم أسفر وجهه عن أخلاق البغال بكلام أبرد من برد العجوز ؛ لتمثله في صف النعال ، ويستدلون بأدلة ، كبيت العنكبوت وحجه عادت بتوالي الأيام مقطوعة الثبوت كأنها ألعاب الشمس ، وهي أبعد عن الحق من أمس يتمسكون بكلام السكارى ، ويحتجّون بأقوال الحيارى ، مع أن الصحاة إذا خالفوا نص الشارع لا يعول على كلامهم ، ولا يلتفت بعد وجود الحق الصراح لما يضاده من أفهامهم ، اللهم إلا أن يكون فهما لا يعارض نصّا ، ولا يوجب في مقام قائله نقصا.
هذا مع أن تلك الشطحات مؤولة ، وعن مؤدي اللفظ الظاهري إلى ما يليق محولة ، ولهم كتب في الألفاظ المصطلح عليها كثيرة ، فكيف يفهم من لم يدر رموزهم العسيرة ، وضعوها غيرة على الأسرار أن تذاع لدى الأشرار.
قال سيدي الشيخ عبد الغني ، حفظ الله وجوده ، ورزقه العيش الهنيء في رسالته المسمّاة ب «إيضاح المقصود في معنى وحدة الوجود» :
والحاصل أن جميع علماء الظاهر لا حق معهم في الطعن على القائلين بوحدة الوجود من المحققين العارفين ، القائلين بذلك على وجه الحق والصواب كما ذكرنا ، أما القائلين بوحدة الوجود من الجهلة الغافلين والزنادقة الملحدين ، الزاعمين بأن وجودهم المفروض المقدر هو بعينه وجود الله تعالى ، وذواتهم المفروضة المقدرة هي بعينها ذات الله تعالى ، وصفاتهم المفروضة المقدرة هي بعينها صفات الله تعالى ، الذين يحتالون بذلك على إسقاط الأحكام الشرعية عنهم ، وإبطال الملّة المحمدية ، وإزالة التكليف عن نفوسهم ، فالطعن عليهم بسبب القول بوحدة الوجود على هذا المعنى الفاسد طعن صحيح ، وعلماء الظاهر مثابون بذلك كمال الثواب من الملك الوهّاب ، والعارفون المحققون في هذا الطعن من غير خلاف قد أشار إليهم الشيخ عبد الكريم الجيلي ، قدّس الله سرّه ، في كتابه المسمّى شرح الخلوة في أوائله من الوصايا حيث قال :