__________________
ـ العارفون ، وأقرّت بحسن منازلاته ومواجيده الواصلون ، ليسلك به مقام التعلق ، ويرقيه إلى التحقق ، ويوصله إلى التخلق ، وهناك يدرك الأسرار بطريق المنازلة والذوق ، ويأكل لا من تحت الأرجل بل من فوق ، وطريق التصوف عند السادة الصوفية ، كله تخلق بالأخلاق المصطفوية ، فمن زاد تخلقه زاد تصوفه ، والتخلق يحتاج إلى السلوك ، وهو يفتقر إلى المرشد العارف.
قال الشعراني رضي الله عنه في الميزان : أما سلوكك بغير شيخ فلا يسلم غالبا من الرياء والجدال والمزاحمة على الدنيا ، ولو بالقلب من غير لفظ ، فلا يوصلك إلى ذلك ، ولو شهد لك جميع أقرانك بالقطبية فلا عبرة بها.
وقد أشار إلى ذلك الشيخ محيي الدين في الباب الثالث والسبعين من الفتوحات فقال :
(من سلك الطريق بغير شيخ ولا ورع عمّا حرّم الله فلا وصول له إلى معرفة الله تعالى المعرفة المطلوبة عند القوم ولو عبد الله تعالى عمر نوح عليهالسلام).
ثم إذا وصل العبد إلى معرفة الله تعالى فليس وراء الله مرمى ولا مرقى بعد ذلك ، وهناك يطلع كشفا ويقينا على حضرات الأسماء الإلهية ، ويرى اتصال جميع أقوال العلماء بحضرة الأسماء ، ويرتفع الخلاف عنده في جميع مذاهب المجتهدين ؛ لشهود اتصال جميع أقوالهم بحضرة الأسماء والصفات ، لا يخرج عن حضرتها قول واحد من أقوالهم.
وهذه المعرفة نتيجة التخلي عن الأخلاق الذميمة ، والتحلي بالأوصاف الكريمة ، فأثمرت التجلي بالأسرار العظيمة ، وفي الحديث : «الأخلاق مخزونة عند الله تعالى ، فإذا أراد الله تعالى بعبد خيرا منحه منها خلقا».
وقال صلىاللهعليهوسلم : «إنما بعثت لأتممم مكارم الأخلاق».
قال صاحب عوارف المعارف : فالصوفية راضوا نفوسهم بالمكابدات والمجاهدات حتى أجابت إلى تحسين الأخلاق ، فنفوس العباد أجابت إلى الأعمال وجمحت عن الأخلاق ، ونفوس الزهّاد أجابت إلى بعض الأخلاق دون البعض ، ونفوس الصوفية أجابت إلى الأخلاق الكريمة كلها).
والثالثة : معرفة كنوز أسرار الذات العليّة ، وهذه المعرفة خاصة بأكابر المحققين من الأولياء الراسخين ، وقد أشرنا إلى طلب هاتين المعرفتين بقولنا في ورد السحر المسمّى بالفتح القدسي والكشف الأنسي ، والمنهج القريب إلى لقاء الحبيب : إلهي عرفني حقائق أسمائك الحسنى ، وأطلعني على رقائق دقائق معارفك الحسنى ، وأشهدني خفي تجليات صفاتك ، وكنوز أسرار ذاتك.
وتكلمنا على هذا التوسل في شرح الورد المسمّى ب (الضياء الشمسي على الفتح القدسي). وطريق هذه المعرفة لا يكون إلا عن محض المنّة ، وكرامة صاحبها استقامته على نهج الكتاب والسّنة.