وقوله صلىاللهعليهوسلم : «وإن أميننا» : أي الثقة بين أظهر هذه الأمة بحيث لا يدانيه أحد من أحادها في هذا المعنى كما دلّ عليه قوله : «أيتها الأمة» (١) : أي متخصصا من بين أفراد هذه الأمة ؛ فنصبه على الاختصاص ؛ والمراد به الأمين نفسه ؛ وهو أبو عبيدة بن الجراح ، كان ذلك اختصاصا إلهيا له زائدا على أمانة غيره ؛ كصدق الصدّيق ، وعدل عمر ، وحياء عثمان ، وشجاعة عليّ رضي الله عنهم.
فقول الترمذي : تخصيصه ؛ لكون الأمانة غالبة فيه بالنسبة على سائر صفاته لا أن أمانته كانت غالبة على أمانة غيره فيه رمد وعلّة ؛ بل الصحيح : ان الأمانة ، وإن كانت مشتركة بينه وبين غيره من الصحابة ؛ لكن تخصيصه بتوصيفه بها ؛ لغلبتها فيه بالنسبة إلى غيرهم ، دلّ عليه قوله : (أمينا) : فإن المراد به الأمين الكامل من بين أمناء الأمة ؛ بل صرّح به قوله : (أيتها الأمة) ؛ فإن المراد : إن عبيدة بن الجراح بكمال مختص تلك الصفات من بين الأمة لا بالنسبة إلى سائر صفات نفسه.
نعم قد يكون الكمال إضافيا بالنسبة إلى نفس الكامل أيضا ، كما قالوا : إن الصديق رضي الله عنه كان الغالب في نشأته هو المعرفة (٢) الإلهية مع وجود سائر الصفات
__________________
(١) رواه البخاري (٣ / ١٣٦٩) ، ومسلم (٤ / ١٨٨١).
(٢) قال سيدي مصطفى البكري : المعرفة ثلاثة أقسام : معرفة عوام ، وخواص ، وخواص الخواص.
فالأولى : معرفة ما يجب وما يجوز وما يستحيل في حقه تعالى ، وكذلك في حق رسله ، وهذه واجبة على كل مكلف ؛ لئلا يشتبّه عليه الحال فيقع في الخيال ، وليسلم من ورطة التقليد في التوحيد.
قال صاحب الجوهرة : إذ كل من قلد في التوحيد إيمانه لم يخل عن ترديد ، وكل من طلب الثانية ولم يحكم الأولى كان جاهلا بالله ؛ فإنها أولى وأولى ، ويجب على صاحب هذه المعرفة أن يطلب العلم الواجب في حقّه ؛ ليكون ممن يعبد الله على بصيرة ، وإلا كان ما يهدم أكثر مما يبني.
ففي الحديث : «ركعتان من عالم أفضل من سبعين ركعة من غير عالم».
والعالم العامل هو الورع المشار إليه بحديث : «ركعتان من رجل ورع أفضل من ألف ركعة من مخلط». رواه الديلمي في مسند الفردوس عن أنس. وإلا فمع الجهل أين الورع.
والثانية : معرفة آثار الأسماء والصفات ، وظهور أنوار تلك الآثار في القلب ؛ ليخلص صاحبه من الآفات ، وطريقها تسير الأوقات بالعبادات ، وتزكية النفس وترك المخالفات ، والجلوس على بساط الفقر والانكسار ، وشغل القلب بمراقبة العزيز الغفار ، والاقتداء بأستاذ شهدت بصحة عقيدته وكماله