فمن وجد خيرا ؛ فليحمد الله ، ومن وجد خلافه ؛ فلا يلومن إلا نفسه ، فالكل يجري على القضاء الأزلي ، والسر القدري لا يقدر أن يخالف ذلك ؛ ولكون فهمه من الغوامض ؛ منع العامة من بحث القدر ؛ بل الخواص أيضا ، وإن كانوا قد فهموا ذلك ؛ لأن البحث عنه يفضي إلى تعطيلات فاسدة ، ثم إنه تعالى شبّه تقلب القلوب كلها مع كثرتها بتقليب قلب واحد ، لما يقتضيه سر الحقيقة ، فإن العين واحدة ، والكثرة إنما هي باعتبار التعينات الخارجية.
فكما أن أنوار الشمس وأشعتها لا تتجزّأ إلا باعتبار الكوى والمنافذ ؛ فكذا نور الوحدة ، ومنه يعلم سرّ قوله تعالى : (وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما) [البقرة : ٢٥٥] ، وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) [فاطر : ٤١] ونحوهما.
وإضافة المشيئة إلى نفسه كما في قوله تعالى : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الإنسان : ٣٠] ؛ لأن الحقيقة الإلهية الظاهرة في كل فرد من أفراد الكائنات هي الفاعلة المؤثرة.
وأمّا المشيئة من وجهة القوائل ؛ فتابعة لتلك المشيئة الذاتية ، فعليك بالفهم التام من غير زيغ وضلال.
٥٣ ـ في الصحيحين : اتفقا على الرواية : عن أنس رضي الله عنه قال :
«قدم قوم من أهل اليمن إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالوا : ابعث معنا رجلا أمينا حق أمين حق أمين يعلّمنا الإسلام والسنة ، فأخذ صلىاللهعليهوسلم يد أبي عبيدة بن الجراح فقال : إن لكل نبي أمينا» (١) :
: أي في الدين والدنيا ميراثا له من ذلك النبي ؛ لأن النبي أمين في الوحي ؛ كملك الوحي كما قال تعالى : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلى قَلْبِكَ) [الشعراء : ١٩٣ ، ١٩٤].
والأمين لا ينزل إلا على الأمين ، ولا بد لكل كمال من مظهر تام له ، وهو واحد من أفراد الأمة والأمانة من كمالات الأنبياء عليهمالسلام كغيرها من الصفات الجليلة.
__________________
(١) رواه البخاري (٤ / ١٥٩٢) ، ومسلم (٤ / ١٨٨٢) بنحوه.