وفيه إشارة إلى كثرة أفراد الجلال ، وقلة أفراد الجمال ؛ لكن لمّا كان المقصود الأعظم : ظهور الإنسان الكامل ، وبروز الخلافة الإلهية ؛ كان الواحد في كل عصر من الكمّل كألف من غيرهم ، وذلك من باب الغيرة الإلهية ؛ لأن الجمال الإلهي لا ينبغي أن يراه إلا أولو الأبصار.
والمراد بالأصابع : الصفات الإلهية ؛ كالقدرة ، والإرادة ، والقدرة ونحو ذلك ، وأضيفت إلى الرحمن لا إلى الاسم الله ؛ إمّا لأنهما بمعنى واحد في الحقيقة كما دلّ عليه قوله تعالى : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) [الإسراء : ١١٠].
فالرحمة الظاهرة في الرحمن باطنة في الجلالة ، والجلال الظاهر في الجلالة باطن في الرحمن.
وإمّا لأن تقليب القلوب من باب الرحمة ، وإن كان في صورة الغضب ؛ لأن مآل الغضب إلى الرحمة ، فكم من مبتلى ابتلاؤه عين الرحمة في حقه ؛ لأنه به يعرف قدر العافية ، وفي حق غيره ؛ لأنهم يعتبرون به.
وكم من معافى عافيته عين الغضب في حقه ؛ لأنها تكون استدراجا له ، وفي حق غيره إن كانوا من أهل الابتلاء ؛ إذ به يردّون الأقضية الإلهية ، ويعترضون على الله تعالى في أحكامه الأزلية المبرمة.
والإصبعان : الصفتان المتضادتان من الهداية ، والإضلال ، والرحمة ، والغضب ، والإكرام ، والإهانة ، والإعزاز والإذلال ، وغير ذلك.
وبذلك يتحوّل العبد من حال إلى حال : مرة من الحالة الحسنة اعتقادا وعملا إلى الحالة السيئة اعتقادا وعملا ، وأخرى بالعكس ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) [الأنفال : ٢٤].
فإنه إذا كان حائلا بينه وبين قلبه ؛ كان أقرب إليه منه ، فيفعل ما يفعل من التصريفات على ما يقتضيه استعداده الأزلي ، الغير المجعول التابع له الحكمة الإلهية ، فتصريفه إياه من حال إلى حال : أي حال كان عدلا محضا من الله تعالى ؛ فإن الله تعالى ليس بظلام للعبيد.