لكنها في حكم أربعين ألف سنة من سنين الآخرة.
كما كانت مدة تخمير الطينه الآدمية أربعين ألف سنة حتى جاءت الحياة الدنيوية الصورية ؛ فحصلت الحياة الأخروية للفقراء المهاجرين قبل الأغنياء بأربعين ألف سنة ، كما حصلت لغيرهم من الفقراء مطلقا بخمسمائة عام من سنين الآخرة ؛ وهي نصف يوم ، وأين الخمسمائة من أربعين ألف سنة؟ وبه يحصل التوفيق بين الروايتين ، ويظهر فضل فقراء المهاجرين على غيرهم.
وهاهنا كلام آخر متعلّق بدوام سرّ الصحبة يعرفه أهله.
ويمكن أن يقال أيضا أن الأربعين لها عشرات أربع ، وبالأحدية تكون خمسا ، وكل عشرة إجمالا عقدا من عقود المئات ، فالمجموع خمسمائة ، فالأربعون تدور بالخمسمائة ، ولذلك خصّهما النبي صلىاللهعليهوسلم بالذكر.
ولي وجه آخر في هذا المقام هو أن المراقب الأنفسية خمس ، وهي : الطبيعة ، والنفس ، والقلب ، والروح ، والسرّ ، وهي في الحقيقة ثلاث هي : القلب ، والروح ، والسرّ ، وبالأحدية أربع ، وذلك أن الإنسان الكامل إنما يدخل الجنة بمرتبة هذه الثلاث ؛ فيطرح الطبيعة والنفس في جهنم ، وهما : قدما الجبار كما جاء في الحديث ، فكان الخمس مشتملا على سرّ الأربع ، وكل من الخمس في مقابلة تامة مع اسم من الأسماء الإلهية جلالية وجمالية.
والقلب متوسط بين المرتبتين التحتيتين ، والمرتبتين الفوقيتين كالشمس بين الأفلاك ، وهو نصف الوجود ، ونصفه الآخر القالب.
القالب من حيث إنه محلّ معرفة الله كالنور أفضل من الظلمة ، كان الوجود عبارة عن القلب ، وبكماله يظهر فضل الناس بعضهم على بعض ، فمن أصلحه كان كمن أصلح الجسد كله ، وكان هذا الصلاح أكمل في فقراء المهاجرين ، فاستدعى الحال تقدّمهم على غيرهم لخمسمائة عام فافهم جدّا.
وهم وإن كانوا سابقين في الدنيا ؛ لكن لمّا كان هذا السبق إلى الجنة المعجّلة القلبية لا إلى الجنة المؤجّلة الحسية ؛ قيّده صلىاللهعليهوسلم بيوم القيامة ؛ لأن أثر السبق إنما يظهر في ذلك اليوم ، وفي ذكر الخريف إشارة إلى أن ذلك زمان اقتطاف عناقيد الجنان ، ووقعت اجتناء ثمرات الفردوس.