وفي الحديث إشارة
إلى أن الفرق بين الزاهد والعاشق : إن الزاهد وإن كثر حسناته فلا يترقّى عن مقام
الطبيعة ، والنعيم الحسّي ، وأمّا العاشق فله النعيم الحسّي بحسب عمله الحسّي ،
وله النعيم الروحاني بحسب حاله المعنوي ؛ ولكن رزقه في الآخرة أكثر من رزقه في
الدنيا صورة ومعنى ، إمّا صورة ، وإمّا معنى.
فإن الإنسان في
الترقّي دائما ، فما حصل له عند الاحتضار أكثر مما حصل له قبل ذلك ، وكذا ما حصل
له في البرزخ أكثر مما قبله ، وقس على ذلك ما حصل في المحشر ، وفي الجنة ، وفي
مقام الكثيب ؛ ولذا قالوا : الشوق دائم ، والنقصان لا يزول.
وهذا مشرب من
ليس له ري أبدا ، فإن كماله حقيقي بالنسبة إلى كمال من دونه ، وإضافي بالنسبة إلى
أن السير في الله لا ينقطع أبدا ، فالأمر إذا لم يكن له انتهاء ؛ فالسالك في السير
أبدا ، وهذا لأن الله تعالى غير متناه بذاته ، وأسمائه ، وصفاته ، وتجليّاته ، وهو
الواسع ، فكيف الوصول إليه حتى ينقطع السير؟
وقد قال تعالى
: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا
إِلهَ إِلَّا اللهُ) [محمد : ١٩].
فجعل الألوهية
منتهى العلم إذ ما وراءها حيرة وبهت ؛ ولكن الأمر لمّا كان بسيطا ؛ كان السير
بسيطا ، فالإنسان على السفر دائما ، ومن استوى يوماه ؛ فهو مغبون ، وليس الاستواء
إلا بالوقفة ، أو بعدم المحرك من العشق والانجذاب ونحوهما.
ولذا فضّل
العمل الروحاني على الجسماني بأضعاف ، فأين العابدون من العاشقين؟ وأين العاشقون
من الواصلين؟ وأين الواصلون من الحاصلين؟
فاجتهد أن تكون
من أهل المكاشفة ، ثم من أهل المشاهدة ، ثم من أهل المعاينة ، فأول الأمر الطلب ،
ثم السير ، ثم الوصول والفناء ، ثم الحصول والبقاء ، فمن بقى مع الله ؛ فله بقاء
بقاء الله ، فاعرف .
__________________