ولذا كان هو رضي الله عنه أبا هذه الأمة ، فقامت الأمة ، وأخيارهم به ؛ كما قام الولد بالأب.
ولما في النفس شدة الشكيمة ، ومشيها على الطريق الحقة صعبا ، ودخولها في الرياضات ، والمجاهدات في الخلوات ؛ كدخول الحيّة في جحرها ؛ أفصح عن حالها بذلك.
وفيه إشارة إلى أن البدعة مردودة ، وإن أهل البدعة ليس لهم أن ينتموا إلى المرتضى رضي الله عنه ؛ لأن الله تعالى ارتضاه لما إنه لم يكن فيه إلا السنة.
ولذا كان وارث النبوي ، وخليفة الله في العالم ، إمّا في زمان تعيّنه الخارجي ، فبوجوده الظاهري والباطني ، وإمّا بعد انتقاله فبروحانيته ؛ لكن لمّا كان الحكم للظاهر ؛ كان وزيرا للمهدي الذي هو من أولاده ، ولا ضير فإن الوزير في حكم السلطان ظهورا ؛ فهو والسلطان سواء في الحكم.
وإنما لم يقل : إن التوحيد ليأرز إلى المدينة لما أن أدنى المراتب في هذا الباب : هو الإيمان والتصديق ؛ وهو من شأن العامة.
وأمّا التوحيد : وهو رؤية الموحّد في الأنفس والآفاق متجليّا على سرّ من الأسرار ، ونور من الأنوار ، ودائرا مع اسم من الأسماء ، وكذا التجريد الذي هو انقطاع الملاحظة من الآفاق ، وكذا التفريد الذي هو استقطاعها من الأنفس أيضا ؛ فإنما يحصل لأهل الإحسان ، وذلك بعد مرتبة الإيمان : أي الإحسان خصوص مرتبة في الإيمان.
فكل مؤمن ليس بموحّد توحيدا حقيقيا أفعاليا أو صفاتيا أو ذاتيا ؛ إذ المشرك بالشرك الخفي مؤمن ، وليس بموحّد ، وأين أهل الشرك من التوحيد؟ ولذا أن نقول أيضا : إن الإيمان إنما يوحّد بمتابعة شرع من الشرائع ، ودخول النفس في السلم ؛ وهي صعبة جد الاعتياد النفس بالاسترسال والإطلاق.
وأمّا التوحيد : فصفة القلب من حيث نفسه ؛ ولذا لا يبقى موحّد في النار ، فعليك بالتوحيد ، ومراعاة الأصول ، وعليك بالإيمان أيضا إن أردت أن تكون من أهل الوصول ، فإن الطريق هو طريق المتابعة.
قال الله تعالى : (فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) [الأنعام : ٩٠] ، وفيها قطع النفس عن المألوف.