يجهل ، وإن المجهول لا يعلم فاعرف.
ومعنى ثم ههنا : التوقف في الترك ؛ لأنهم إمّا على الإدبار ، وإمّا على الوقوف ، وإمّا على الإقبال ، فكل من المدبّر والواقف مردود ، وكل من أهل الحركة والإقبال مقبول ؛ لأن الحركة غايتها السكون ، وليس السكون إلا عند الوصول ، فبعض السكون ليس بشيء ؛ كالسكون قبل الحركة ؛ لأن فيه الفراق ، ولذا قال تعالى حكاية : (وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) [البقرة : ١٥٦] ، إذ لا شك أن الرجوع لا يمكن إلا بالحركة.
وأمّا السكون بعد الحركة : فسكون مقبول ؛ ولذا قالوا : الصوفي من لا مذهب له ؛ يعني : إن الصوفي الواصل لا مذهب له ، فإنه أين يذهب ، وهو عنده تعالى؟.
وأمّا السير في الله : فلا نهاية له ؛ لأنه تعالى متجلّ في كل آن ، وقدير مطلق ، فلا غاية لشؤونه ، وهو الواسع العليم ، جعلنا الله وإياكم ممن لا ينفد شرابه ، ولا ينقطع خطابه آمين.
قال تعالى : (ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ) [الحجر : ٤٦].
يعني : إذا دخل السالك جنة القلب ، ووصل على نهاية درجاتها ؛ سلم من آفات الظنون والشكوك ؛ لأنها مرتبة عين اليقين ، وحق اليقين ، ولا غاية وراءها ، فكلّ يرتقي بقدر حاله ؛ ولذا يقال للقارئ : اقرأ وارق إلى حيث ينتهي قراءتك.
فالقارئ الحقيقي هو : المتخلّق بأخلاق القرآن ، والمتحقّق بحقائقه كما كان حال النبي صلىاللهعليهوسلم ، فكما أنه لا نهاية لحقائق القرآن ؛ فكذا لا نهاية لدرجات السير في الله.
وأمّا درجات الجنان الصورية فمحصورة كسور القرآن اللفظي ، وآياته ، وكلماته وحروفه ؛ وإنما قلنا : ووصل إلى نهاية درجاتها ؛ لأنه ليس في كل يقين سلامة ؛ ولذا قال تعالى : (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر : ٩٩] : أي اليقين المطلق الذي هو غاية اليقين ، ولا تحصل إلا في نهاية الاطمئنان.
فربّ سالك مردود إلى ورائه في بداية المطمئنة ؛ بل في وسطها أيضا ؛ لأن البداية والوسط من مظان الاضطراب والتلوين ، وهذا : أي التلوين لا يمدح إلا بعد التمكين ؛ لأنه تلوين التجلّي لا تلوين الاستتار ، فمن ادّعى النهاية ؛ فبرهانه وجود