فإن المشهور عند أهل الله أن قيس بن عامر مجنون حقيقي في الميل ، فانظر إلى لطافة العشق مطلقا.
قال تعالى : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ) [الأنعام : ١٢٢] ، فالقلب ميت لا يحيى إلا بفيض العشق ، ومن المقرّر عند أرباب الحقائق : إن عالم الوجود عبارة عن : الحسن والعشق ؛ فالحسن صفة المعشوق الحقيقي ، والعشق صفة العاشق الحقيقي.
وأمّا الحسن الصوري فمن آثار الحسن المعنوي الكمال الساري في جميع الأشياء ، فالعاشق لا ينظر إلى صفات الحسن ؛ وهي المظاهر الخلقية ؛ بل ينظر إلى حسن الصفات ؛ وهو الظاهر الحقّي في كل شيء من الأشياء ؛ لأن الأشياء الممكنة مراء لحسن الذات القديمة ، فمن أراد التجلّي ، وشهود الحسن ؛ فلينظر إلى الأشياء ، ثم أن ترقى إلى التجريد ؛ دخل في عالم الأنفس ، وأن ترقى إلى التفريد ؛ خلص عن التعيّنات ، وقيودها بالكلية ، ولا غاية وراءه ، والله المستعان.
قال الله تعالى : (قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ) [الأنعام : ٩١].
إنما أمر تعالى بتركهم مع أنهم مظاهر الأسماء ، ومن شأن العارف النظر في كل شيء إلى الحق ؛ لأنهم نظروا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم بنظر البشرية ، ولم يعرفوا إنه الحق في صورة الخلق ؛ فعوملوا معاملة الأجنبي ؛ وهي الترك ، ولو إنهم أعطوا للنظر حقه ؛ لكانوا من المكاشفين.
والمكاشف لا يهجر المكاشف ؛ لأنه مرآته ، فكما أن الله تعالى تركهم في احتجابهم ؛ فكذا النبي ؛ لأنه صورة الحق تعالى ، فانظر إن الله تعالى واصل إلى الخلق ، والخلق محجوبون عنه ؛ فكذا من هو مظهره تعالى في أسمائه؟ فعلم إن المعلوم لا
__________________
ـ مجنون ليلى أنها مرت عليه ذات يوم فدعته إليها لتحدثه ، فقال : دعيني فإني مشغول بليلى عنك».
ثم قال : «وهذا آخر مقامات القرب والوصول فيها ينكر العارف معروفه ، فلا يبقى عارف ولا معروف ولا عاشق ومعشوق ، فلا يبقى إلا العشق فقط ، فهو الذات الصرف الذي لا اسم ولا رسم ولا وصف ولا نعت له فيظهر بالصورتين ، ويوصف بالوصفين فتارة عاشق ، وتارة معشوق» انتهى ملخصا.