صلاح النشأة ، واستقامة المزاج ، حتى أن أهل بعض الديار كانوا يجربون الصبيان بالملاهي ، فإن أظهروا النشاط ؛ دلّ ذلك على استعدادهم لما طلب هو له ؛ كالسلطنة ، ففيه مدح للصبوة ، وذمّ لعدمها.
والصبوة هاهنا : الصبوة المقبولة ؛ وهي الميل عمّا سوى الله تعالى إلى الله تعالى ، وهي صبوة أرباب الحقائق ، وهي عين الإيمان الحقيقي ، ومن لم يذق من طعم هذه الصبوة ، ولو شيئا قليلا ؛ لم يذق لذّة حقيقية أصلا ، فكان حيوانا في صورة الإنسان ؛ بل أضلّ منه ، فإن بعض الحيوان ؛ كالأبل لها ميل إلى حد : أي لعرب وسكرة من ذلك حتى أنها تقطع بذلك مسافة ثلاثة أيام في يوم واحد.
وفي الكلمات المولوية : الصبوة إيماني : أي الإيمان الحقيقي ؛ هو الميل من الزّهد إلى العشق ، ومن الحجاب إلى الكشف ؛ فإن الإيمان ما لم يكن عيانيا ؛ فصاحبه مؤمن من وراء الحجاب ، وأين هو من العيان؟ وهو عند صاحب الزّهد مذموم ؛ لأنه يقول للعاشق : قد صبا هذا ، ومال من السّنة إلى الإلحاد.
وفي الكلمات الأكبرية : جننا مثل مجنون بليلى : أي ابتلينا بالجنون الحقيقي ، كما ابتلى المجنون بالجنون المجازي حتى أدّاه ذلك إلى الابتلاء بالجنون الحقيقي حتى ابتلى بليلى الحقيقة ، وتجاوز عن الميل إلى ليلى المجازية (١).
__________________
(١) فائدة : أثبت الشيخ الجيلي قدسسره في كتاب «الإنسان الكامل» : «للإرادة تسعة مظاهر الأول :
هو الميل أيّ : انجذاب القلب إلى المطلوب.
والثاني : الولع وهو إذا قوّى ودام ذلك الميل.
والثالث : الصبابة وهي إذا اشتدّ الميل ، وأخذ القلب في الاسترسال فيمن يحب.
والرابع : الشغف وهو إذا تفرغ القلب للحبيب بالكلية ، وتمكن ذلك منه.
والخامس : الهوى وهو إذا استحكم الحب في الفؤاد.
والسادس : الغرام وهو إذا استولى حكم الحب على الجسد.
والسابع : الحب وهو إذا نما وزادت العللّ المقتضية للميل.
والثامن : الود وهو إذا هاج إلى أن ينفى المحب عن نفسه.
والتاسع : العشق وهو إذا طفح حتى أفنى المحب والمحبوب».
وقال الشيخ المذكور في هذا المقام : «يرى العاشق المعشوق فلا يعرفه ، ولا يصغي إليه ، كما روي عن