ثم اعلم أنه أخذ من الحديث القدسي المذكور : إن الصوم له تعالى دون غيره من الأعمال ؛ بل هي لنفس العامل ؛ ولذا كان تعالى بنفسه جزاء للصائم ، فإن قلت :
قد ورد في المخاطبات موسى عليهالسلام : إن الصلاة ونحوها إنما هي للعامل نفسه.
وأمّا ما كان لله تعالى ؛ فهو موالاة أوليائه ، ومعادة أعدائه ، فما التوافيق بينهما؟ قلت : إن الصوم عمل مخصوص لله تعالى واقع بينه وبين العبد ، والموالاة والصلاة المذكورة ، قلت : عمل مخصوص لله تعالى واقع بين العباد.
فالصائم : عمل لله تعالى فيما بينه وبينه ، والموالي : عمل فيما بينه وبين غيره من العباد ، فكل منهما مخصوص له تعالى في مرتبة ، وفيه إشارة إلى فضيلة الموالاة والمعاداة المذكورتين ؛ كفضيلة الصوم ، وهذا لا ينافي أن يشهد المكاشف في كل مشهد أسماء الله تعالى وشئونه ، فإن العبرة في الحقيقة للمتعيّن لا للتعيّن.
فلا ولي إلا لله ، ولا عدو إلا ما سوى الله ، كما قال تعالى حكاية عن إبراهيم عليهالسلام : (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ) [الشعراء : ٧٧].
وقال تعالى : (قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ) [الأنعام : ٩١] : أي الأسماء ، والتعيّنات ، وتعلّق بالذات المسمّاة بها فإنها هي الأحرى بذلك.
٤٥ ـ في الحديث كما في الروضة لابن الخطيب : «يعجب ربكم من شاب ليس له صبوة ظاهره» (١) :
إن الصبوة ، والميل إلى الهوى ، والجهل : من شأن الشاب ؛ لاستيلاء قواه البشرية على القلب ، وزيادة حرارته الغريزية ، فإذا ترك ذلك ؛ كان محلّ التعجب بالنسبة على الخلق ، والتعجب بالنظر إلى الحق تعالى.
فإن التعجّب في الأصل : صفة نفسانية يمتنع اتّصاف الحق تعالى بها ، ويمكن أن يحمل على معنى الرضا ونحوه على ما هو شأن مثلها ، وباطنه إن زمان الشباب زمان العشق والمحبة ، ومن المعلوم إن المجاز قنطرة الحقيقة ، فإذا فات الصبوة والميل إلى العشق عن الشباب ؛ دلّ ذلك على نقصانه في استعداده ، إذ حركة الباطن مما ينبئ عن
__________________
(١) رواه ابن أبي عاصم في السنة (١ / ٢٥٠) ، وذكره العجلوني في كشف الخفا (٢ / ٥٢٨).