بالصوم ؛ لأنه صفة صمدانية ، وقد تخلّق بها الملائكة جميعا ، وكذا بعض البشر ؛ كإدريس عليهالسلام ؛ فإنه لم يأكل ، ولم يشرب ، ولم ينم ستة عشر عاما حتى رفعه الله مكانا عليّا ، وعلوّه بحسب قطبية للأمكنة العلوية والسفلية ، فإن الرابع مقر الشمس ومدارها.
ومنه يعرف قطبية إدريس إلى هذا الآن ؛ لأنه حيّ باق ، وأقطاب كل عصر إنما هم نوابه ، وأيضا قطبية الصوم بالنسبة إلى سائر الأخلاق ، فإنه لتحسين الأخلاق ؛ فهو مدار الأخلاق كلها ، فإذا تمّ التحقق به ، وكمل ؛ كان مبيت الصائم عند الله تعالى ، فلا يفطر إلا على علوم لدنية.
وقد وصل حضرة الشيخ الأكبر قدسسره الأطهر ، وهو في درباء المغرب إلى تسعة أشهر.
وأمّا عقال المغربي فمكث في مكة المكرّمة أربعة أعوام لم يأكل ولم يشرب إلى أن مات عليه ؛ لانسلاخه عن حال الطبيعة ، وأمر البشرية بالكلية ، ومنه يعلم أن مثلّثه لا يحتاج إلى بدل ما يتحلّل ؛ لأن عروقه مملوؤه بالأنوار ، والنور يفعل لصاحبه من القوة ما لا يفعله الدم.
وربما يعود الصائم إلى صورة الطبيعة ؛ كحال النبي صلىاللهعليهوسلم ، ومن يتابعه في هذا المعنى لكنه مفطر صورة ، وصائم معنى ؛ لأنه دائم في صلاته ، وإنما يترقّى من طبقة إلى طبقة كما دلّ عليه قوله صلىاللهعليهوسلم : «أرحنا بلال» (١) ؛ فإنه أراد الإراحة بالصلاة والدخول فيها.
واعلم أن تقليل الغذاء في حكم الصوم أيضا ؛ لأن قدر ما يقوم به البدن لا يعدّ من التنعّم ؛ ولذا يوصي به الحكماء الإلهية في كل عصر ، ومن لم يهتد إليه بقى في تيه طبيعته ، حائرا عن السداد ، ومن لم يهد الله ما له من هاد ، فأرباب الشريعة لهم أكلتان ؛ لغلبة جسمانيتهم على روحانيتهم ، وأرباب الحقيقة لهم أكلة واحدة في يوم وليلة ؛ لغلبة روحانيتهم على جسمانيتهم.
__________________
(١) تقدم تخريجه.