وأول الخسران : عدم الإيمان ، والاعتقاد ، ثم العمل ، ثم الحال ، ثم المقام ؛ وفيه إشارة إلى أن الكلب إذا كان نافعا ؛ خرج عن الكلبية ، وإن كان صورة الكلب الضار ، كما أن الإنسان إذا كان ضار ؛ أخرج عن الإنسانية ، وإن كان في صورة النافع ، فالاعتبار بالمعنى لا بالصورة.
٧ ـ في الحديث الصحيح : «من أكل البصل والثوم والكرات» (١) :
(والكرات) : كرتان على ما في القاموس بقل من البقول يقال له بالفارسية : كندان الرائحة الكريهة ، ودخل في هذه الثلاثة كل ما يشاركها في الرائحة ، وذلك بطريق الدلالة والإشارة ، وإن لم يساعدها اللفظ والعبارة ؛ فلا ينفى التخصيص بالثلاثة ما عداها ، ونظائره غير واحدة.
قال صلىاللهعليهوسلم : «فلا يقربن مسجدنا» (٢) : أي مواضع العبادات في وقت حضور الجماعات : أي موضع كان من حرم مكي ، أو مدني ، أو سليماني أو غيرها ، فلو حضر مواضع العبادات في وقت غير العبادات وحضور الجماعات ؛ كان خارجا عن النهي كما يقتضيه قوله : «فإن الملائكة تتأذّى مما يتأذّى منه بنوا آدم» (٣).
لم يقل : فإن الملائكة تتأذّى منها إشارة إلى أصل العلة ؛ هي تأذّي لكامل بني آدم وخواصهم من كل ما له رائحة كريهة ، فإنهم إذا تأذّوا منه ، وهم في الصورة أجسام كثيفة ؛ كانت الملائكة أولى به ؛ وهم أجسام لطيفة على أن التأذّي من مثل ما ذكر صفة الروح والأرواح العالية مشاركون لخواص البشر في تلك الصفة وخواصها ، وقد ثبت إنه صلىاللهعليهوسلم حبب إليه الطيب كما حبب إلى الملائكة ، ومن ذلك سن تبخير المساجد يوم الجمعة ؛ لحضور ملائكة الرحمة فيه.
فظهر أن المراد بالملائكة هم الملائكة الحاضرون في أوقات مخصوصة في مواضع مخصوصة ، وأمّا الملائكة الملازمون في الأوقات كلها ؛ كالكاتبين ونحوهم ؛ فإنهم وإن كانوا يتأذّون مما ذكر أيضا ؛ لكن أمرهم أهون ؛ لقلتهم بالنسبة إلى الحاضرين في
__________________
(١) رواه مسلم (١ / ٣٩٥).
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) تقدم تخريجه.