الرجال» (١) ؛ وهم الرجال الذين أفلسوا عن نفوسهم ، ومالها ؛ فأغناهم الله تعالى بذاته ، ومالها.
كما قال : (وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى) [الضحى : ٨].
: أي وجدك خاليا عنك فملئك به نفسه ، والمال العين ؛ إشارة إلى العلوم الحقيقة التي لا اختلاف فيها ، بخلاف غيره من المال ؛ فإنه علوم غير حقيقية متغيرة بحسب مشارب أهاليها ، فالمطلوب بالذات ؛ هو العلوم الإلهية اللدنية ، وبالتبعية وهو العلوم النظرية الاستدلالية.
وأمّا العلوم الشيطانية ، والمعارف النفسانية فليست بمال أصلا فلا تطلب قطعا ؛ بل (تحرهما) وأصحابها فضلا عن الطلب ، وأمّا قولهم : مال أهل الحرب في المسلمين ؛ فإنما هو في الرابح ، فخذ ما صفا ، ودع ما كدر فأنت المصيب.
٦ ـ في الحديث الصحيح : «من اقتنى كلبا لا يغني عنه زرعا ولا ضرعا ؛ نقص من عمله كل يوم قيراط» (٢) :
أشار بالكلب إلى النفس ، وبالزرع إلى حرث الآخرة ؛ وهي الأعمال الصالحة الظاهرة.
كما يقال : الدنيا مزرعة الآخرة ، وبالضرع إلى الفيض الإلهي الجاري من ضرع القلب والروح ، وبالنقص إلى قوله : «من استوى يوماه ؛ فهو مغبون» (٣).
فالفائدة في النفس الإنسانية التي النفس الأمّارة الكلبية قوة من قواها أعمالها في تحصيل الكمالات الظاهرة والباطنة.
كما قال تعالى : (لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) [المائدة : ٦٦] أي : من طريق الكسب والوهب ، فإذا عطلت جاء الغبن والخسارة.
كما قال تعالى : (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [الأنعام : ١٨].
فالنفس : هي البضاعة وبها التجارة والربح ، فمن أعلمها ، ربح ، ومن أهملها ؛ خسر.
__________________
(١) رواه الخطيب البغدادي في الكفاية (١ / ١٦١) ، وذكره المزي في تهذيب الكمال (١٠ / ٣٣٦).
(٢) رواه البخاري (٣ / ١٢٠٧) بنحوه ، ومسلم (٣ / ١٢٠٣).
(٣) رواه أبو نعيم في الحلية (٨ / ٣٥) ، والديلمي في الفردوس (٣ / ٦١٨).