وأمّا اليهود والنصارى فقد بيّن في القرآن والحديث أنهم كفار لا اعتداد بإيمانهم بالله ، وببعض الكتب والرسل ، فلمّا لم يؤمنوا بالشارع المبلّغ إليهم ؛ كانوا كفارا في الشرع والحقيقة ، وكذا المشركون فإن إقرارهم بأن خالق السماوات والأرض ؛ هو الله يفيد إيمانا لهم مع بقائهم على الشرك والعناد.
وكما أن الذين لم يهاجروا حين كانت الهجرة فرضا ؛ كانوا كفارا بالنص في الحقيقة ، وإن كانوا مؤمنين في الصورة ، ومثلهم من يلقي المصحف في القاذورات ، أو يفعل نحو ذلك مما جعله الشارع إمارة التكذيب ، فلا يعتبر دعوى الإيمان في مثل هذا ، فهم في الفراق في عين الوصل ، فياليتهم أقاموا على الشرائط ، والمسلمون عند شروطهم.
وهذا مقام هائل ينبغي أن يكون المرء على حذر منه ، فإن الأمر ليس بالدعوى ؛ بل بالمعنى ، ولن يحصل المعنى إلا بمتابعة الشارع في أمره ونهيه إن كان من شأنه ذلك بأن بلّغ إليه الدعوة ، وأمّا غيره فليس له دعوى ، ولا معنى ، وإنما هو مفوّض إلى سعة رحمة الله تعالى.
٤٠ ـ في صحيح مسلم قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من منح منحة» (١)
: أي عطية ، والمراد : منحة اللبن ؛ كالناقة ، والبقرة ، والشاة مما ينتفع بلبنه.
وقوله صلىاللهعليهوسلم : «عادت تلك المنحة له متلبسة بصدقة ، وراحت الغدو أول النهار إلى الزوال ، والروح من الزوال إلى الآخر» (٢) ، كما أكد ذلك بقوله : «صبوحها وغبوقها» (٣) ، منصوبان على الظرفية : أي في أول النهار ، وأول الليل.
والإشارة في الحديث : إن اللبن إنما هو لتربية الأجسام ، كما أن العلم إنما هو لتربية الأرواح ، ولا شك أن الصدقة تطفئ غضب الرب ؛ وهو نار جهنم التي أعدّها الله تعالى لتعذيب أجساد الفسّاق ، كما أن العلم يطفئ غضب الرب أيضا ؛ وهو نار الجهل والقطيعة التي أعدّها الله تعالى لتعذيب أرواح الجهلة والمحجوبين.
__________________
(١) رواه أحمد (٤ / ٢٨٥) ، والوياني في مسنده (١ / ٢٤٤).
(٢) لم أقف عليه.
(٣) رواه أحمد (٢ / ٧٠٧) ، والبيهقي في الكبرى (٤ / ١٨٤).