ثم إن هذا العلم بالتوحيد هو التوحيد العقلي لا الإيمان الشرعي ؛ لأن الإيمان إنما يتعلّق بالشارع ، وأمره ؛ فهذا العالم ؛ ليشفع فيه العليم الخبير بحاله فلا يخلده في النار ، ويكون آخر أمره الجنة إن لم يأت بما ينافي أصول الشرائع ، وكان حاله على حال الفطرة الأصلية.
فأهل الفترات ، والذين في شواهق الجبال ، وأقطار الأرض وغيرهم ممن لم يبلغه الدعوة ، ولم يصدر منه ما يخالف أصول الشرائع ؛ فكلهم من أهل التوحيد العلمي ، والتصديق العقلي ، يشفع فيهم الاسم الرحمن ؛ فيدخلون الجنة ، ولو بعد حين ، وذلك فضل عظيم ، وإحسان جسيم من الله تعالى ؛ لكون رحمته واسعة شاملة لكل شيء خصوصا الذين بقوا على نقاء سريرتهم ، وصفاء فطرتهم ، فلم يصدر منهم ما يخالف التوحيد ، والأصول المتفق عليها في جميع الأديان والملل.
__________________
ـ الثاني ـ إنه للشك لكن لا في الحال بل في العاقبة ؛ لأن الإيمان المفيد هو الباقي عند الموت وكل شاك في ذلك.
الثالث ـ لما كان الإيمان عندهم مجموع الاعتقاد والقول والعمل والشك في العمل الذي هو أحد أجزائه يوجب الشك فيه فصح الشك في حصول الإيمان.
وقال المانع : أنا مؤمن حقا لأن الشك في الحال والاستقبال يوجب ضعف الاعتقاد في الحال ولا نزاع إن كان للتبرك.
وقال أهل السنة : كل من اعتقد أركان الدين تقليدا فإن اعتقد مع ذلك جواز ورود شبهة عليها وقال :
لا آمن ورود شبهة تفسدها فهو كافر ومن لم يعتقد جواز ذلك فقد اختلفوا فيه ، فمنهم من قال :
إنه مؤمن ، وإن كان عاصيا بترك النظر ، والاستدلال المؤدي إلى معرفة أدلة قواعد الدين وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي ومالك وأحمد والأوزاعي والثوري وكثير من المتكلمين ومنهم من قال : إنه لا يستحق اسم المؤمن إلا بعد عرفان أدلة قواعد الدين سواء أحسن العبادة عن الأدلة أولا ، وهو مذهب الأشعري وقوم من المتكلمين.
ومن لم تبلغه دعوة الإسلام فإن اعتقد وحدانية الله تعالى ، وعدله فحكمه حكم المسلمين وهو معذور في جهله بأحكام الشرع وإن اعتقد الشرك والتعطيل فهو كافر ، فإن لم تبلغه دعوة نبي آخر لم يكن مكلفا ولا يكون له ثواب ولا عقاب وإن بلغته ولم يؤمن بها كان مستحقا للوعيد على التأبيد وإن لم يعتقد شيئا لا توحيدا ولا كفرا فليس بمؤمن ولا كافر. وانظر : الصحائف (ص ١٥٨) بتحقيقنا.