٣٦ ـ في صحيح مسلم : «من كان عنده شيء من هذه النساء اللآتي تتمتع ؛ فليخل سبيلها» (١) :
__________________
ـ وقال بعضهم : الفناء نفي العبد لاختياره المغاير لاختيار الله تعالى ؛ لأن الكمال أن يختار العبد ما اختاره الله له إن يختاره ، وإلا فالإنسان لا يجوز أن يكون غير مختار ؛ لأنه تعالى وإن نفاه فقد أثبته فقال : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى)[الأنفال : ١٧] ، فأثبت في هذا القول الرمي وقد نفى. والبقاء أن يختار باختياره تعالى له الاختيار بعد ما نفى اختياره المغاير لاختيار الله تعالى ، فالعبد في هذا المقام مختار من جهة البقاء غير مختار من جهة الفناء ، وأمّا العوام فلهم الاختيار مطلقا لرؤيتهم الوجود لنفوسهم وأن يعملوا بإرادتهم ، ويجوز أن يكون المراد (بنقل الاسم) غير ما قلنا :
من رفعه بالإفناء ، بل معناه الحقيقي ، ويكون حقا قوله :
(ومحى رسمك) من عطف السبب على المسبب ، فإن الشيخ ينقل المريد من اسم إلى اسم من اسم العام إلى الخاص إلى أخص الخاص ، أو من الجاهل إلى العالم إلى العراف بالله ، أو من اسم المسلم إلى المؤمن إلى الصالح إلى المحسن إلى الشهيد إلى الصديق إلى المحقق إلى غير ذلك من الأسماء المصطلح عليها لهذه الطائفة بسبب محو العادات ورسوماته عنه فتبصر.
ثم قال الشيخ قدسسره : (الشيخ من أطلعك على حالك ، لا من أخذ مالك) أي : الشيخ المسلك هو الذي جعلك مطلعا على حالك من النقص والكمال ، فيذهب منك النقص ، ويفيض عليك الكمال بالاستئذان لك من ربك بأن يكون الشيخ من خواص الخواص الكاملين المكمّلين ، الذين هم مع غلبة التسليم عليهم يأمرون المريد ، ويرغبونه في الأشياء ، ويرهبونه من أشياء ، وينزلون من مقامهم لمقام المريد حتى يقيّم عوجه ؛ لأن الشيخ هو الذي يأخذ مالك عنك كالمشايخ بعد قرن عاشر قعدوا على السجادة بدون إذن من الله تعالى ، فيأخذون أموال الناس من غير استحقاق فيهم.
وهذا الشيخ كما أنه يأخذ مالك أيضا يأخذ دينك ؛ لأن المريد ناظر إلى شيخه ، ويتأدب بآدابه وآدابه مذمومة.
ومن هنا قيل : إن العلماء السوء أشدّ من الشيطان ؛ لأن الشيطان يضرك في دينك ، وذاك يضرك في دنياك ودينك ، فعلى هذا يجوز أن تكون (ما) في (مالك) موصولة أي : لا الشيخ الذي يأخذ منك ما حصل لك من أمور الدين والدنيا ، ولا الشيخ الذي هو من خواص الأولياء الذي محقه التسليم لله تعالى في سائر الأحوال وما بقي له اختيار ، فإن مثله لا يرى في الوجود محظورا ينهاك عنه مع أن الصحبة تقتضي الميل إلى الصاحب ، وهذا الرجل ما له ميل إلى أحد سوى الله تعالى حتى يقيّم عوجه ويصلح فساده ، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
(١) رواه مسلم (٢ / ١٠٢٣) ، والنسائي (٣ / ٣٢٨).