أمّا الذات فبحكم الجوار ، وأمّا الصفة فظاهرة ، والأول نظير الشخص الحسن من تلك الحيثية مع اللباس الحسن ، فإن للحسن مع الحسن شرفا زائدا على الحسن مع القبيح فاعرف.
ألا ترى أن غير الهاشمي ألحق بالهاشمي من حيث صفاته الحسنة التي عمدتها طهارة الباطن ، فكان من أهل البيت تحقيقا ، والهاشمي ألحق بغير الهاشمي من حيث صفاته القبيحة التي أعظمها خبث الباطن فخرج من عداد أهل البيت.
ومن هذا ظهر أن الصبيان ساقطوا عن درجة الكمال ؛ لأن نسبتهم إلى الذات أقوى من نستهم إلى الصفات ، ومن ثم كثر فيهم الأمراض والهلاك ؛ إذ ليس لذواتهم قوة صفاتية ، فهم كفرع ينجذب إلى الأصل بأهون شيء من الأسباب ، وهو الاستحالة الناشئة عن قوة الانفعال وعدم الاستمساك ، وتبين أيضا أن حكمة الخروج من العدم إلى الوجود ؛ إنما هي تكميل مرتبة الصفات ، فمن كان محروما عن هذه المرتبة ؛ لم يكن على شيء.
ومن هنا نفع طول العمر إذ الكمال الإنساني تدريجي ؛ وإنما جعل عمر هذه الأمة بين الستين والسبعين ؛ لأن حقيقة التوبة والإنابة إنما تظهر في هذه المدة ، كما يشير إليه كون ما بين مصراعي باب التوبة مسافة سبعين سنة ؛ وهذا من كمال استعداد هذه الأمة ؛ ولذا جعل مدة بقائهم ألف سنة ، وأمّا الأمم السالفة فقد دل طول أعمارهم ، وامتداد مددهم على أنهم من أهل الإبطاء لا من أهل الإسراع.
٤ ـ في الحديث الصحيح : «من أخذ شبرا من الأرض ظلما ؛ طوقه إلى سبع أرضين» (١)
وفي بعض الأحاديث : «خسف به» (٢).
اعلم : أن الأرض لله تعالى يورثها من يشاء ؛ لأن نماء الأرض إنما هو بالماء ، والله الذي أنزل من السماء ماء فسالت أودية ، فملك الأرض إنما هو لصاحب الماء
__________________
(١) رواه مسلم (٣ / ١٢٣١) ، وأحمد (١ / ١٨٨).
(٢) رواه البخاري (٢ / ٨٦٦) ، وأحمد (٢ / ٩٩).