حينئذ بالتوقّف ، لا بمعنى أنّ أحدهما المعيّن واقعا طريق ولا نعلمه بعينه ، كما لو اشتبه خبر صحيح بين خبرين ، بل بمعنى أنّ شيئا منهما ليس طريقا في مؤدّاه بخصوصه. ومقتضاه : الرجوع إلى الاصول العمليّة إن لم نرجّح (*) بالأصل الخبر المطابق له ، وإن قلنا بأنّه مرجّح خرج عن مورد الكلام ، أعني التكافؤ ، فلا بدّ من فرض الكلام فيما لم يكن هناك أصل مع أحدهما ، فيتساقطان من حيث جواز العمل بكلّ
______________________________________________________
عينا في الظاهر ، وفيما نحن فيه هو المردّد بين المشتبهين من دون أن يكون معلوما لنا ولو إجمالا بعنوان اعتباره ، لفرض اجتماع شرائط الاعتبار في كلّ منهما.
ويمكن الفرق بينهما بوجه آخر يستفاد من كلام المصنّف رحمهالله ، وهو أنّ الطريقين فيما نحن فيه لأجل تعارضهما تتساقطان ، فلا ينهض شيء منهما لإثبات مؤدّاه على نحو ما تقدّم ، بخلاف الصحيح المشتبه بالضعيف ، لأنّ الصحيح معتبر في إثبات مؤدّاه في الواقع وإن اشتبه في نظرنا.
فإن قلت : إنّك قد اعترفت بأنّ الخبر المعتبر من باب الطريقيّة لا بدّ أن يكون طريقا في نظر المكلّف دون الواقع.
قلت : إنّ اشتباه الصحيح بغيره لا يوجب خروجه من وصف الطريقيّة وكونه معتبرا في إثبات مؤدّاه ، غاية الأمر أنّ اشتباه شخصه وعدم معرفته بعينه يمنع ترتيب مقتضاه عليه بالخصوص. وتظهر ثمرة اعتباره في نفي الاحتمال الثالث على ما عرفت ، بخلاف ما نحن فيه ، لأنّ الطريقين من حيث اجتماعهما لجميع شرائط الحجّية ، وعدم تميّز ما هو طريق منهما ولو بعنوان إجمالي ، مع تمانعهما في المؤدّى ، لا يتّصف شيء منهما بوصف الطريقيّة بالنسبة إلى إثبات خصوص مؤدّاه.
والإنصاف أنّ المقام بعد لم يصف عن شوب الإشكال ، إذ يمكن أن يقال بكون ما نحن فيه من قبيل اشتباه الصحيح بغيره ، إذ الطريقان المتعارضتان وإن احتملت مخالفة كلّ منهما للواقع ، إذ الفرض عدم العلم بانحصار الواقع فيهما ، إلّا
__________________
(*) فى بعض النسخ : بدل «نرجّح» ، يرجّح.