.................................................................................................
______________________________________________________
له العلم بمناط العمل.
وهذا هو الفارق بين الطريقين المتدافعين والواجبين المتزاحمين ، لأنّ المقتضي للعمل في كلّ من الواجبين ـ على ما عرفت تحقيقه ـ موجود ، بخلاف ما نحن فيه. ومن هنا لا يصحّ إجراء الدليل المتقدّم في الواجبين المتزاحمين هنا ، لأنّه بعد تقييد دليل اعتبار الطريقين بإمكان العمل بكلّ منهما ، لا يبقى مقتض للعمل بهما ولو تخييرا في صورة التعارض على ما عرفت ، بخلاف الواجبين المتزاحمين على ما تقدّم.
نعم ، منع وجود المقتضي فيما نحن فيه إنّما هو بالنسبة إلى جواز العمل بخصوص مدلول كلّ منهما ولو تخييرا ، وهو لا ينافي دعوى بقاء المقتضي لنفي احتمال ثالث. فإذا دلّت إحداهما على الوجوب والاخرى على الحرمة ، فتساقطهما في إثبات أحدهما لا ينافي نفيهما احتمال غيرهما ، أعني : احتمال الاستحباب أو الكراهة أو الإباحة ، لأنّ مقتضى نصب الطريق هو كونها مثبتة لمدلولها ، فإذا دلّت على وجوب فعل في الواقع فهي تدلّ بالالتزام على انتفاء غيره من الأحكام الأربعة. فإذا عارضته طريق اخرى دالّة على حرمته فهما إنّما تتعارضان في إثبات الوجوب والحرمة لا في نفي غيرهما أيضا ، ولذا اختار المصنّف رحمهالله أنّ مقتضى القاعدة على القول باعتبار الأخبار من باب الطريقيّة هو التساقط والرجوع إلى الأصل الموافق لأحدهما دون المخالف لهما ، بل يحكم بالتخيير حينئذ من باب العقل.
فإن قلت : إن الدلالة الالتزاميّة تابعة للدلالة المطابقة ، فمع انتفاء المتبوع ينتفي تابعة أيضا لا محالة ، فأين الدلالة الالتزاميّة؟
قلت : نعم ، ولكن مجموع الطريقين المتعارضين بمنزلة طريق واحد في إثبات مدلول إحداهما إجمالا ، وثبوت ذلك مستلزم لنفي غيره. ونظير ما نحن فيه ما لو اشتبه الخبر المعتبر بغيره ، كاشتباه الصحيح بالضعيف ، وإن كان بينهما فرق من جهة أنّ النافي للثالث هنا هو الخبر المعلوم العنوان ، وهو الخبر الصحيح وإن اشتبه