وبالجملة : فاندفاع هذا التوهّم غير خفيّ بأدنى التفات ، فلنرجع إلى المقصود ونقول : إذا عرفت أنّ ألفاظ العبادات على القول بوضعها للأعمّ كغيرها من المطلقات كان لها حكمها ، ومن المعلوم أنّ المطلق ليس يجوز دائما التمسّك بإطلاقه ، بل له شروط (١٧٢٨) ، كأن لا يكون واردا في مقام حكم القضيّة المهملة بحيث لا يكون المقام مقام بيان ؛ ألا ترى : أنّه لو راجع المريض الطبيب فقال له في غير وقت الحاجة : «لا بدّ لك من شرب الدواء أو المسهل» ، فهل يجوز للمريض أن يأخذ بإطلاق الدواء والمسهل؟ وكذا لو قال المولى لعبده : «يجب عليك المسافرة غدا».
وبالجملة ، فحيث لا يقبح من المتكلّم ذكر اللفظ المجمل ـ لعدم كونه إلّا في مقام هذا المقدار من البيان ـ لا يجوز أن يدفع القيود المحتملة للمطلق بالأصل ؛ لأنّ جريان الأصل لا يثبت الإطلاق وعدم إرادة المقيّد إلّا بضميمة : أنّه إذا فرض ـ ولو بحكم الأصل ـ عدم ذكر القيد وجب إرادة الأعمّ من المقيّد وإلّا قبح التكليف ؛ لعدم البيان ، فإذا فرض العلم بعدم كونه في مقام البيان لم يقبح الإخلال بذكر القيد مع إرادته في الواقع.
______________________________________________________
مطلقاتها أيضا ، وهو خلاف ما استقرّت عليه طريقة العلماء في أبواب المعاملات.
١٧٢٨. منها : عدم ورود المطلق في مقام الإهمال ، كما أوضحه المصنّف رحمهالله. ومنها : عدم وروده في مقام بيان حكم آخر ، كقوله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ) فلا يجوز الاستدلال بإطلاقه على طهارة موضع إمساك الكلب ممّا أخذه من الصيد ، نظرا إلى عدم تقييد جواز الأكل بغسله كما حكي عن الشيخ ، لوروده في مقام بيان حكم جواز الأكل ، فهو ساكت عن حكم طهارة موضع العضّ ونجاسته. ومنها : كون المطلق متواطئا ، بأن لا تكون له أفراد شائعة ينصرف إليها الإطلاق. ومنها : عدم وهنه بورود تقييدات كثيرة توهن في إطلاقه ، كما في كثير من إطلاقات القواعد الشرعيّة ، ولكن ستقف على ما فيه.