وأمّا عدم معذوريّة الجاهل المقصّر ، فهو للوجه الذي لا يعذر من أجله الجاهل بنفس التكليف المستقلّ ، وهو العلم الإجمالي بوجود واجبات ومحرّمات كثيرة في الشريعة ، وأنّه لولاه (١٦٨٣) لزم إخلال الشريعة ، لا العلم الإجمالي الموجود في المقام ؛ إذ الموجود في المقام علم تفصيلي وهو وجوب الأقلّ ، بمعنى ترتّب العقاب على تركه وشكّ في أصل وجوب الزائد ولو مقدّمة. وبالجملة : فالعلم الإجمالي فيما نحن فيه غير مؤثّر في وجوب الاحتياط ؛ لكون أحد طرفيه معلوم الإلزام تفصيلا والآخر مشكوك الإلزام رأسا.
ودوران الإلزام في الأقلّ بين كونه مقدّميّا أو نفسيّا لا يقدح في كونه معلوما بالتفصيل ؛ لما ذكرنا من أنّ العقل يحكم بوجوب القيام بما علم إجمالا أو تفصيلا إلزام المولى به على أيّ وجه كان ، ويحكم بقبح المؤاخذة على ما شكّ في إلزامه ، والمعلوم إلزامه تفصيلا هو الأقلّ والمشكوك إلزامه رأسا هو الزائد ، والمعلوم إلزامه إجمالا هو الواجب النفسي المردّد بين الأقلّ والأكثر ، ولا عبرة به بعد انحلاله إلى معلوم تفصيلي ومشكوك ، كما في كلّ معلوم إجمالي كان كذلك ، كما لو علم إجمالا بكون أحد (١٦٨٤) من الإناءين اللذين أحدهما المعيّن نجس خمرا ؛ فإنّه يحكم بحلّية الطاهر منهما ، والعلم الإجمالي بالخمر لا يؤثّر في وجوب الاجتناب عنه.
______________________________________________________
ومن التأمّل فيما ذكرناه يظهر توضيح الكلام في فساد مقايسة ما نحن فيه على الجاهل المقصّر ، لما عرفت أنّ العلم الإجمالي فيما نحن فيه راجع إلى علم تفصيلي وشكّ بدوي ، وفي الجاهل المقصّر لا متيقّن في البين ، لدوران أمره بين امور متباينة. فعلم الجاهل المقصّر إجمالا بوجود واجبات ومحرّمات واقعيّة ، نظير علم غير المقصّر بوجوب أحد المتباينين. فكون الجهل التفصيلي بالواقع مانعا من تنجّز التكليف بالواقع فيما نحن فيه لا يستلزم أن يكون مانعا في الجاهل المقصّر أيضا ، نظير ما عرفته في المتباينين.
١٦٨٣. أي : لو لا كون الجاهل المقصّر مكلّفا وغير معذور.
١٦٨٤. قد يقال بالفرق بين المثال وما نحن فيه ، إذ حرمة شرب الخمر ليست