قلت : أمّا أوامر الطبيب (١٦٧٢) ، فهي إرشاديّة ليس المطلوب فيها إلّا إحراز الخاصيّة المترتّبة على ذات المأمور به ، ولا نتكلّم فيها من حيث الإطاعة والمعصية ؛ ولذا لو كان بيان ذلك الدواء بجملة خبريّة غير طلبيّة (*) كان اللازم مراعاة الاحتياط فيها وإن لم يترتّب على مخالفته وموافقته ثواب أو عقاب ، والكلام في المسألة من حيث قبح عقاب الآمر على مخالفة المجهول وعدمه.
وأمّا أوامر الموالي الصادرة بقصد الإطاعة ، فنلتزم فيها بقبح المؤاخذة إذا عجز العبد عن تحصيل العلم بجزء فاطّلع عليه المولى وقدر على رفع جهله ولو على بعض الوجوه الغير المتعارفة إلّا أنّه اكتفى بالبيان المتعارف فاختفى على العبد لبعض العوارض. نعم ، قد يأمر المولى بمركّب يعلم أنّ المقصود منه تحصيل عنوان يشكّ في حصوله إذا أتى بذلك المركّب بدون ذلك الجزء المشكوك ، كما إذا أمر بمعجون وعلم أنّ المقصود منه إسهال الصفراء ، بحيث كان هو المأمور به في الحقيقة أو علم
______________________________________________________
النصب ، وعدم القبح في صورة الاختفاء ، فتصحّ دعوى وجوب الاحتياط في الثانية ، وجريان البراءة في الاولى ولا يلزم من القول بالبراءة في الأولى الالتزام بها في الثانية أيضا. وما نحن فيه من قبيل الثانية دون الاولى.
وحاصل الدفع دعوى التسوية بين الصورتين على القول بالبراءة والاحتياط ، وإن كانت المؤاخذة في الاولى على القول بالبراءة أقبح. ووجه التسوية على القول بالبراءة واضح. وأمّا على القول بالاحتياط ، فإنّ غاية ما يتصوّر أن يكون فارقا بينهما هو قبح ترك النصب في الاولى ، ولكنّه لا يرفع التكليف بالاحتياط عن المكلّف على القول به ، فلا وجه للتفصيل بينهما بالقول بالبراءة في الاولى والاحتياط في الثانية.
١٦٧٢. حاصله : بيان الفرق بين ما كان الغرض من الأمر إطاعة العبد لمولاه ، وبين ما كان الغرض منه حصول شيء آخر ، وكان المأمور به مقدّمة لحصوله ، بأن كان الأمر به إرشادا للمكلّف إلى تحصيل هذا الشيء ، بل كان هو المأمور به
__________________
(*) في بعض النسخ : بدل «غير طلبيّة» ، مجملة.