والدليل على كون الأمر بالتبيّن للوجوب الشرطي لا النفسي ـ مضافا إلى أنّه المتبادر (٤٢٠) عرفا في أمثال المقام ، وإلى أنّ الإجماع قائم على عدم ثبوت الوجوب النفسي للتبيّن في خبر الفاسق ، وإنّما أوجبه من أوجبه عند إرادة العمل به لا مطلقا ـ هو أنّ التعليل في الآية بقوله تعالى : (أَنْ تُصِيبُوا ...) لا يصلح أن يكون تعليلا للوجوب النفسي ، لأنّ حاصله يرجع إلى أنّه : لئلّا تصيبوا قوما بجهالة بمقتضى العمل بخبر الفاسق فتندموا على فعلكم بعد تبيّن الخلاف ، ومن المعلوم أنّ هذا لا يصلح إلّا علّة لحرمة العمل بدون التبيّن ، فهذا هو المعلول ، ومفهومه جواز العمل بخبر العادل من دون تبيّن. مع أنّ في الأسوئية (*) المذكورة في كلام الجماعة بناء على كون وجوب التبيّن نفسيّا ، ما لا يخفى (٤٢١) ؛ لأنّ الآية على هذا ساكتة عن حكم العمل بخبر الواحد قبل التبيّن أو بعده ، فيجوز اشتراك الفاسق والعادل في عدم جواز العمل قبل التبيّن ، كما أنّهما يشتركان قطعا في جواز العمل بعد التبيّن والعلم بالصدق ؛ لأنّ العمل حينئذ بمقتضى التبيّن لا باعتبار الخبر ، فاختصاص الفاسق بوجوب التعرّض لخبره والتفتيش عنه دون العادل لا يستلزم كون العادل أسوأ حالا ، بل مستلزم لمزيّة كاملة للعادل على الفاسق ، فتأمّل.
______________________________________________________
عن خبر العادل أيضا ، فيجب حملها على أحد الوجهين الأوّلين ، فتدلّ على حجّية خبر العادل من دون الضميمة المتقدّمة.
٤٢٠. لأنّ المتبادر من مادة التبيّن ـ كمادة التجسّس والتفحّص ونحوهما ـ كون اعتبارها لأجل ملاحظة حال الغير لا ملاحظة نفسها من حيث هي ، فاعتباره في الآية إنّما هو للاستكشاف به عن خبر الفاسق من حيث صدقه وكذبه.
٤٢١. لأنّه إذا كان التبيّن واجبا نفسيّا فمقتضى المفهوم حينئذ عدم وجوب التبيّن نفسا عند خبر العادل ، ولا ريب أنّه لا دلالة فيه على قبول خبره من دون تبيّن ، إذ لا منافاة بين عدم مطلوبيّة التبيّن عن خبر العادل بالوجوب النفسي ، وبين كون التبيّن شرطا في جواز العمل بخبره والمفهوم إنّما ينفي الأوّل دون الثاني. و
__________________
(*) في بعض النسخ : بدل «الأسوئية» ، الأولويّة.