.................................................................................................
______________________________________________________
فاعترض على أخذ المقدّمة المذكورة في تقريب الاستدلال بعدم الحاجة إليها أوّلا ، وبمنع الأولويّة ثانيا على تقدير تسليمها. وأصل الاعتراض من صاحب الفصول ، قال : «إنّ الله تعالى علّق وجوب تبيّن النبأ على مجيء الفاسق به ، فيدلّ بمفهومه على عدم وجوب التبيّن عند مجيء العادل ، ومقتضاه جواز القبول ، لأنّ الأمر بطلب البيان إمّا كناية عن عدم جواز القبول ، أو مخصوص بما اريد العمل بمقتضى بنائه ، فيكون وجوبه شرطيّا ، ويرجع إلى الوجه السابق ، أو بمواضع خاصّة لا بدّ من التبيّن فيها ، منها الواقعة التي نزلت الآية فيها ، حيث يجب فيها طلب البيان بمطالبتهم بالصدقات ، فإن انقادوا إلى الحقّ وأدّوها تبيّن كذب النبأ قضاء بظاهر الحال ، وإن استنكفوا عنها وأظهروا التمانع والمعاداة تبيّن صدقه ، ووجب التهجّم على جهادهم. لكن هذا في الحقيقة راجع إلى طلب أمر مخصوص يحصل به البيان وليس بطلب نفس البيان حقيقة وبالجملة ، فلا بدّ من حمل الأمر بالتبيّن على أحد هذه الوجوه ، للإجماع على عدم وجوب التبيّن عند خبر الفاسق مطلقا. وعلى هذا فما تداول في كتب القوم من بيان وجه الاستدلال من أنّه علّق وجوب تبيّن النبأ على مجيء الفاسق به ، فعلى تقدير مجيء العادل به إمّا أن يجب القبول وهو المدّعى ، أو يجب الردّ فيلزم أن يكون العادل أسوأ حالا من الفاسق ، غير مستقيم ، إذ مرجع الأمر بالتبيّن فيما عدا الوجه الأخير إلى ردّ نبأه ، وفي الوجه الأخير يجب التبيّن في نبأ العادل أيضا ، وإنّما يتمّ ما ذكروه إذا حمل الأمر بالتبيّن على وجوبه مطلقا ، وهذا ممّا لا ذاهب إليه» انتهى.
وحاصله : أنّ التبيّن عن نبأ الفاسق حيث لم يكن واجبا نفسيّا إجماعا ، فلا بدّ من التصرّف في ظاهر الآية ، بحملها إمّا على كون الأمر بالتبيّن كناية عن ردّ خبره وعدم قبوله ، فيدلّ بالمفهوم حينئذ على جواز قبول خبر العادل وإمّا على كون وجوب التبيّن شرطيّا ، بأن كان جواز العمل بخبر الفاسق عند الحاجة إليه مشروطا بالتبيّن ، فتدلّ الآية حينئذ على جواز قبول خبر العادل من دون تبيّن. وإمّا على موارد مخصوصة. وحيث قد عرفت أنّ مقتضاها على هذا الوجه وجوب التبيّن