وجهان : أحدهما : أنّه سبحانه علّق وجوب التثبّت على مجيء الفاسق ، فينتفي عند انتفائه ـ عملا بمفهوم الشرط ـ وإذا لم يجب التثبّت عند مجيء غير الفاسق ، فإمّا أن يجب القبول وهو المطلوب ، أو الردّ وهو باطل ؛ لأنّه يقتضي كون العادل أسوأ حالا من الفاسق ، وفساده بيّن. الثاني : أنّه تعالى (٤١٧) أمر بالتثبّت عند إخبار الفاسق ، وقد اجتمع فيه وصفان ، ذاتي وهو كونه خبر واحد ، وعرضي وهو كونه خبر فاسق ، ومقتضى التثبّت هو الثاني ؛ للمناسبة والاقتران (٤١٨) ؛ فإنّ الفسق يناسب عدم القبول ، فلا يصلح الأوّل للعلّيّة ، وإلّا لوجب الاستناد إليه ؛ إذ التعليل بالذاتي الصالح للعلّيّة أولى من التعليل بالعرضي ؛ لحصوله قبل حصول العرضي ، فيكون الحكم قد حصل قبل حصول العرضي ، وإذا لم يجب التثبّت عند إخبار العدل ، فإمّا أن يجب القبول وهو المطلوب ، أو الردّ ، فيكون حاله أسوأ من حال الفاسق ، وهو محال.
______________________________________________________
الصدق والكذب ، فلا بدّ أن يكون عملهم به لأجل ظنّهم بصدقه ، فتكون الآية حينئذ واردة في مقام الذمّ والتوبيخ على العمل بالظنّ ، فتكون صريحة في نفي العمل به ، فلا بدّ من حمل التبيّن حينئذ على العلمي إن سلّمنا عمومه بحسب اللغة والعرف.
وأمّا الخامس فيظهر الكلام فيه تقريبا وتزييفا ممّا تقدّم. وهنا مسلك سادس سلكه المصنّف رحمهالله في إثبات اعتبار الخبر الموثوق بالصدور ، وسيأتي تحقيق الكلام فيه إن شاء الله تعالى.
٤١٧. الوجه الأوّل يظهر من الأكثر. وهذا الوجه من السيّد عميد الدين في المنية ، وعبارة المتن له بأدنى تغيير غير مضرّ. وقال بعد قوله : «قبل حصول العرضي» ذلك يمنع من التعليل به ، لاستحالة كون اللاحق علّة للسابق ، فإذا أخبر العادل لم يجب التثبّت ، لانتفاء علّته ، فإمّا يجب الردّ فيكون أسوأ حالا من الفاسق ، وهو باطل قطعا ، أو القبول وهو المطلوب» انتهى.
٤١٨. أي : اقتران الحكم وتعلّقه به ، وحيث كان الاقتران واضحا اقتصر على ذكر وجه المناسبة.