وجوب العمل بأقوى الدليلين وأرجحهما ؛ فإنّ الكلام فيها في ترجيح أحد الخبرين الذي يكون بنفسه أقوى من الآخر من حيث السند ، كالأعدل والأفقه أو المسند أو الأشهر رواية أو غير ذلك أو من حيث الدلالة ، كالعامّ على المطلق ، والحقيقة على المجاز ، والمجاز على الإضمار ، وغير ذلك.
وبعبارة اخرى : الترجيح بالمرجّحات الداخليّة من جهة السند اتّفاقي ، واستفاض نقل الإجماع من الخاصّة والعامّة على وجوب العمل بأقوى الدليلين عن الآخر (٢). والكلام هنا في المرجّحات الخارجيّة المعاضدة لمضمون أحد الخبرين الموجبة لصيرورة مضمونه أقرب إلى الواقع من مضمون الآخر. نعم ، لو كشف تلك الأمارة عن مزيّة داخليّة لأحد الخبرين على الآخر من حيث سنده أو دلالته دخلت في المسألة الاتّفاقيّة ووجب الأخذ بها ؛ لأنّ العمل بالراجح من الدليلين واجب إجماعا ، سواء علم وجه الرجحان تفصيلا أم لم يعلم إلّا إجمالا.
ومن هنا ظهر أنّ الترجيح بالشهرة والإجماع المنقول إذا كشفا عن مزيّة داخليّة في سند أحد الخبرين أو دلالته ، ممّا لا ينبغي الخلاف فيه. نعم ، لو لم يكشفا عن ذلك إلّا ظنّا ففي حجّيته أو إلحاقه بالمرجّح الخارجي وجهان : أقواهما الأوّل كما سيجيء.
وكيف كان : فالذي يمكن أن يستدلّ به للترجيح بمطلق الظنّ الخارجي وجوه : الأوّل : قاعدة الاشتغال ؛ لدوران الأمر (١٠٧٠) بين التخيير وتعيين الموافق للظنّ.
______________________________________________________
١٠٧٠. لأنّه مع تعارض الخبرين الموافق أحدهما للشهرة مثلا ، فالقول فيه منحصر في ثبوت التخيير في العمل بأيّهما شاء ، وترجيح الموافق لها. ومع العجز عن ترجيح أحد القولين سرى احتمال تعيّن العمل بالموافق لها إلى المقام ، فيدور الأمر بين التعيين والتخيير ، واليقين بفراغ الذمّة لا يحصل إلّا بالأخذ بمحتمل التعيين.
وهذا لا ينافي القول بالتخيير فيما لو دار الأمر فيه بين التعيين والتخيير في الفروع ، لأنّ العقل لما لم يكن له سبيل إلى الأحكام التعبّدية الفرعيّة ، وكان بيانها واجبا على الشارع ، فحيث يدور الأمر بين حكمين فرعيّين على وجه التعيين و