والكلام فيه يقع تارة في الترجيح بالظنّ في مقام لولاه لحكم بالتخيير واخرى في الترجيح به في مقابل المرجّحات المنصوصة في الأخبار العلاجيّة. أمّا الكلام في الأوّل فملخّصه أنّه لا ريب في أنّ مقتضى الأصل عدم الترجيح كما أنّ الأصل عدم الحجّية ؛ لأنّ العمل بالخبر الموافق لذلك الظنّ إن كان على وجه التديّن والالتزام بتعيّن العمل به من جانب الشارع وأنّ الحكم الشرعيّ الواقعي هو مضمونه ـ لا مضمون الآخر ـ من غير دليل قطعيّ يدلّ على ذلك ، فهو تشريع محرّم بالأدلّة الأربعة. والعمل به لا على هذا الوجه محرّم إذا استلزم مخالفة القاعدة أو الأصل الذي يرجع إليه على تقدير فقد هذا الظنّ ، فالوجه المقتضي لتحريم العمل بالظنّ مستقلا ـ من التشريع أو مخالفة الاصول القطعيّة الموجودة في المسألة ـ جار بعينه في الترجيح بالظنّ ، والآيات والأخبار الناهية عن القول بغير علم كلّها متساوية النسبة إلى الحجّية وإلى المرجّحيّة ، وقد عرفت في الترجيح بالقياس أنّ المرجّح يحدث حكما شرعيّا لم يكن مع عدمه ، وهو وجوب العمل بموافقته عينا مع كون الحكم لا معه هو التخيير أو الرجوع إلى الأصل الموافق للآخر.
هذا ، ولكنّ الذي يظهر من كلمات معظم الاصوليّين هو الترجيح بمطلق الظنّ. وليعلم أوّلا : أنّ محلّ الكلام ـ كما عرفت في عنوان المقامات الثلاثة أعني الجبر والوهن والترجيح ـ هو الظنّ الذي لم يعلم اعتباره ، فالترجيح به من حيث السند أو الدلالة ترجيح بأمر خارجي ، وهذا لا دخل له بمسألة اخرى اتّفاقيّة ، وهي
______________________________________________________
اقتران قول غيره بالمرجّحات الخارجة. مضافا إلى ما عرفت من الإجماع على اعتبار المرجّح الداخل ، بخلاف غيره. نعم ، لو قلنا باعتبار المرجّحات الخارجة يقع التعارض بين المرجّح الداخل والخارج ، وستقف على رجحان الثاني وتقدّمه على الأوّل.
وكيف كان ، فحيث قد عرفت انحصار محلّ الكلام في المرجّحات الخارجة فالمشهور اعتبارها ، بل هذا أحد الموازين بين الاصولي والأخباري ، حيث ذهب الأخباريّون إلى التوقف عند انتفاء المرجّحات المنصوصة ، بخلاف الاصوليّين ، لإطباقهم على جواز الترجيح بها.