وإن قلنا بأنّ حجّية الظواهر من حيث إفادتها للظنّ الفعلي وأنّه لا عبرة بالظنّ الحاصل من غيرها على طبقها أو قلنا بأنّ حجّيتها من حيث الاتّكال على أصالة عدم القرينة التي لا يعتبر فيها إفادتها للظنّ الفعلي ، فالأقوى عدم اعتبار مطلق الظنّ في مقام الترجيح ؛ إذ المفروض على هذين القولين سقوط كلا الظاهرين عن الحجيّة في مورد التعارض ، وأنّه إذا صدر عنه قوله ـ مثلا : «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه» وورد أيضا : «كلّ شيء يطير لا بأس بخرئه وبوله» ، وفرض عدم قوّة أحد الظاهرين من حيث نفسه على الآخر ، كان ذلك مسقطا لظاهر كليهما عن الحجّية في مادّة التعارض ، أعني خرء الطير الغير المأكول وبوله.
أمّا على القول الأوّل ، فلأنّ حجّية الظواهر مشروطة بالظنّ المفقود في المقام. وأمّا على الثاني ؛ فلأنّ أصالة عدم القرينة في كلّ منهما معارضة بمثلها في الآخر والحكم في باب تعارض الأصلين مع عدم حكومة أحدهما على الآخر ، التساقط والرجوع إلى عموم أو أصل يكون حجّيته مشروطة بعدم وجودهما على قابليّة الاعتبار ، فلو عمل حينئذ بالظنّ الموجود مع أحدهما ـ كالشهرة القائمة في المسألة المذكورة على النجاسة ـ كنّا قد عملنا بذلك الظنّ مستقلا ، لا من باب كونه مرجّحا ؛ لفرض (*) تساقط الظاهرين وصيرورتهما كالعدم ، فالمتّجه حينئذ الرجوع في المسألة ـ بعد الفراغ من المرجّحات من حيث السند (١٠٦٨)
______________________________________________________
١٠٦٨. لا يذهب عليك أنّ المتعارضين بالعموم من وجه إن كانا موردين لملاحظة المرجّحات السنديّة فيها ، فلا وجه للحكم بالإجمال في مادّة التعارض والرجوع فيها إلى مقتضى العمومات والاصول ، لأنّ مقتضى ملاحظة المرجّحات السنديّة هو الحكم بالتخيير مع فقدها. وإن كانا مجملين بالنسبة إلى مادّة التعارض ، حتّى يصحّ الحكم بوجوب الرجوع فيها إلى مقتضى العمومات والاصول ، فلا وجه حينئذ لملاحظة المرجّحات السنديّة ، لأنّ موردها المتعارضان على وجه التباين.
__________________
(*) في بعض النسخ زيادة : لزوم.