مدخل في حصول الظنّ الفعلي بمضمونه. نعم ، قد يكون الظنّ مستندا إليهما فيصير من قبيل جزء المقتضي ، فتأمّل.
ويؤيّد ما ذكرنا بل يدلّ عليه استمرار سيرة أصحابنا الإماميّة رضوان الله عليهم في الاستنباط على هجره وترك الاعتناء بما حصل لهم من الظنّ القياسي أحيانا فضلا عن أن يتوقّفوا في التخيير بين الخبرين المتعارضين مع عدم مرجّح آخر أو الترجيح بمرجّح موجود إلى أن يبحثوا عن القياس ؛ كيف ولو كان كذلك لاحتاجوا إلى عنوان مباحث القياس والبحث عنه بما يقتضي البحث عنها على تقدير الحجّية.
وأمّا القسم الآخر وهو الظنّ الغير المعتبر لأجل بقائه تحت أصالة حرمة العمل. فالكلام في الترجيح به يقع في مقامات : الأوّل : الترجيح به في الدلالة ، بأن يقع التعارض بين ظهوري الدليلين كما في العامّين من وجه وأشباهه. وهذا لا اختصاص له بالدليل الظنّي السند ، بل يجري في الكتاب والسنّة المتواترة. الثاني : الترجيح به في وجه الصدور ، بأن نفرض الخبرين صادرين وظاهري الدلالة ، وانحصر التحيّر في تعيين ما صدر لبيان الحكم وتمييزه عمّا صدر على وجه التقيّة أو غيرها من الحكم المقتضية لبيان خلاف الواقع. وهذا يجري في مقطوعي الصدور ومظنوني الصدور مع بقاء الظنّ بالصدور في كلّ منهما. الثالث : الترجيح به من حيث الصدور بأن صار بالمرجّح أحدهما مظنون الصدور.
أمّا المقام الأوّل ، فتفصيل القول فيه أنّه إن قلنا بأنّ مطلق الظنّ على خلاف الظواهر يسقطها عن الاعتبار ـ لاشتراط حجّيتها بعدم الظنّ على الخلاف ـ فلا إشكال في وجوب الأخذ بمقتضى ذلك الظنّ المرجّح ، لكن يخرج حينئذ عن كونه مرجّحا ، بل يصير سببا لسقوط الظهور المقابل له عن الحجّية ، لا لدفع مزاحمته للظهور المنضمّ إليه ، فيصير ما وافقه حجّة سليمة عن الدليل المعارض ؛ إذ لو لم يكن في مقابل ذلك المعارض إلّا هذا الظنّ لأسقطه عن الاعتبار ، نظير الشهرة في أحد الخبرين الموجبة لدخول الآخر في الشواذّ التي لا اعتبار بها ، بل أمرنا بتركها ولو لم يكن في مقابلها خبر معتبر. وأولى من هذا : إذا قلنا باشتراط حجّية الظواهر بحصول الظنّ منها أو من غيرها على طبقها. لكنّ هذا القول سخيف جدّا ، والأوّل أيضا بعيد ، كما حقّقناه في مسألة حجّية الظواهر.