لذلك (١٠٦٧) بأنّ الحقّ في أحد الخبرين فلا يمكن العمل بهما ولا طرحهما ، فتعيّن العمل بأحدهما ، وإذا كان التقدير تقدير التعارض ، فلا بدّ للعمل بأحدهما من مرجّح ، والقياس يصلح أن يكون مرجّحا لحصول الظنّ به ، فتعيّن العمل بما طابقه.
لا يقال : أجمعنا على أنّ القياس مطروح في الشريعة. لأنّا نقول : بمعنى أنّه ليس بدليل على الحكم ، لا بمعنى أنّه لا يكون مرجّحا لأحد الخبرين على الآخر ؛ وهذا لأنّ فائدة كونه مرجّحا كونه دافعا للعمل بالخبر المرجوح ، فيعود الراجح كالخبر السليم عن المعارض ، فيكون العمل به لا بذلك القياس. وفيه نظر ، انتهى.
ومال إلى ذلك بعض سادة مشايخنا المعاصرين قدّست أسرارهم بعض الميل ، والحقّ خلافه ؛ لأنّ رفع الخبر المرجوح بالقياس عمل به حقيقة ؛ فإنّه لو لا القياس كان العمل به جائزا ، والمقصود تحريم العمل به لأجل القياس ، وأيّ عمل أعظم من هذا؟ والفرق بين المرجّح والدليل ليس إلّا أنّ الدليل مقتض لتعيّن العمل به والمرجّح رافع للمزاحم عنه ، فلكلّ منهما مدخل في العلّة التامّة لتعيّن العمل به ، فإذا كان استعمال القياس محظورا وأنّه لا يعبأ به في الشرعيّات كان وجوده كعدمه غير مؤثّر ، مع أنّ مقتضى الاستناد في الترجيح به إلى إفادته للظنّ كونه من قبيل الجزء لمقتضي تعيّن العمل ، لا من قبيل دفع المزاحم ، فيشترك مع الدليل المنضمّ إليه في الاقتضاء. هذا كلّه على مذهب غير القائلين بمطلق الظنّ ، وأمّا على مذهبهم فيكون القياس تمام المقتضي بناء على كون الحجّة عندهم الظنّ الفعلي ؛ لأنّ الخبر (*) المنضمّ إليه ليس له
______________________________________________________
١٠٦٧. يمكن أن يحتجّ له أيضا بوجه آخر ، وهو أنّه لا ريب في ثبوت التخيير بين الخبرين المتعارضين المتساويين ، وإذا فرض موافقة أحدهما للقياس جاء احتمال تعيّن الأخذ به ، فيدور الأمر حينئذ بين التعيين والتخيير ، والمقرّر في محلّه أنّ المتعيّن بمقتضى قاعدة الاشتغال هو وجوب الأخذ بمحتمل التعيّن.
ويرد عليه : أنّ العمل بالأصل إنّما هو فيما لا دليل على خلافه ، وما دلّ على كون وجود القياس كعدمه دليل على خلافه.
__________________
(*) في بعض النسخ : بدل «الخبر» ، الجزء.