«إذا جاءكم ما لا تعلمون فها».
نعم ، لو رجع الجاهل بحكم هذه المسألة إلى العالم ورأى العالم منه التمكّن من تحصيل الظنّ بالحقّ ولم يخف عليه إفضاء نظره الظنّي إلى الباطل ، فلا يبعد وجوب إلزامه (١٠٢٩) بالتحصيل ؛ لأنّ انكشاف الحقّ ولو ظنّا أولى من البقاء على الشكّ فيه.
وأمّا الثالث ، فإن لم يقرّ في الظاهر بما هو مناط الإسلام فالظاهر كفره ، وإن أقرّ به مع العلم بأنّه شاكّ باطنا فالظاهر عدم إسلامه ، بناء على أنّ الإقرار الظاهري مشروط باحتمال اعتقاده لما يقرّ به.
______________________________________________________
أحدهما : أنّ موضوع الاصول الاعتقاديّة هو العلم دون الواقع على وجه يكون العلم طريقا إليه ، فمع انتفاء العلم ينتفي التكليف ، لانتفاء موضوعه ، ولا دليل على قيام الظنّ مقامه مطلقا ولو مع انسداد باب العلم إليه. وقد تقدّم توضيحه عند شرح قوله : «ولعلّ الوجه في ذلك أنّ وجوب التديّن المذكور ...».
وثانيهما : أنّه على تقدير تسليم تعلّق التكليف بالواقع في الاصول أيضا كالفروع ، بأن كان التديّن باصول الإسلام مطلوبا في نفس الأمر والعلم طريقا إليه ، فلا ريب أنّ قيام الظنّ مقام العلم حينئذ على تقدير الانسداد إنّما هو على فرض عدم جواز التوقّف هنا ، كعدم وجوب الاحتياط في الفروع لأجل لزوم اختلال النظم أو العسر ، وعدم جوازه في المقام ـ كما ذكره المصنّف رحمهالله ـ غير ثابت ، لاحتمال اختصاص التكليف بالواقع بصورة التمكّن من تحصيل العلم بالواقع. ولعلّ المصنّف رحمهالله قد خلط بين الوجهين ، لأنّ قوله : «ولا دليل آخر على عدم جواز التوقّف» ربّما يومي إلى الوجه الثاني ، وقوله : «فلا دليل على وجوب تحصيل الظنّ» ربّما يومي إلى الأوّل ، فتدبّر.
١٠٢٩. لا يخفى أنّ الحكم بالوجوب لا يناسب حكمه بعدم وجوب تحصيل الظنّ على من لم يتمكّن من العلم. ولو تمّ ما ذكره من الأولويّة لثبت وجوب تحصيل الظنّ على نفسه أيضا.